يعني مثل هذه الدورات التي توجه إلى المبتدئين؛ لأن كثير من أهل العلم يهتمون بالكبار؛ لأنهم يعينونهم على التحصيل، أما الصغار فأمرهم متعب، ولذا مع الأسف قل وندر أن تجد من الكبار من يحفظ القرآن، وهو أولى الأولويات وأهم المهمات، ما تجد إلا القليل النادر من الكبار من يحفظ الناس القرآن، أو يعلمهم المتون الصغيرة، ولو تصدى لشرح المتون الصغيرة المؤلفة للمبتدئين لحلق بهم إلى طبقة المتقدمين، فنحن بحاجة ماسة إلى من يحسن التعامل مع الناشئة يربيهم على صغار العلم، ويحفظهم المتون الصغيرة، وما يحتاج إليه في هذا السن من القرآن، ومعاناتهم أشق من معاناة الكبار، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، والمراد بصغار العلم هي ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده، وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم: رباني حتى يكون عالماً معلماً عاملاً، حتى يكون عالماً معلماً عاملاً.
العلم يهتف بالعمل، والمقولة التي سبقت وهي: أن العلم بدون عمل كالثمر بلا شجر، هذه لها حظ من النظر؛ لأن الثمرة العظمى من العلم هي العمل، فإذا تعلم وعمل بعلمه، ودعا الناس إليه ووجههم وأرشدهم إليه، استحق أن يدعى ربانياً، فإذا علم هذا فميراث النبوة العلم والعمل والدعوة إلى هذا العلم والعمل، والصبر على ذلك، وهي المسائل الأربع التي قررها الإمام المجدد في الأصول الثلاثة، واستدل لها بسورة العصر التي قال فيها الإمام الشافعي: "لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم".
ذكرنا في بداية الكلام الإشكال على هذا الكلام أن العلماء هم ورثة الأنبياء ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) الأنبياء ورثوا العلم ((فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) يشكل على هذا قول نبي الله زكريا -عليه السلام- في سورة مريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [(5 - 6) سورة مريم].