ثم قال ابن القيم: "وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [سورة النجم: 13 - 15]، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، يعني ليلة الإسراء، ورأى بيقظة، فليس بمنام، فلا يقال هذه والله رؤيا، يقظة رآها، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها الجنة كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الإسراء وفي آخره: ((ثم أنطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال: ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك)) وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أن أحدكم إذا مات عرض على مقعده، وفي رواية عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وأن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)).
وفي الصحيحين في صلاة الخسوف قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أني رأيت الجنة وتناولت منها عنقوداً ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) الحديث.
وفي صحيح البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال: قلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر))، ودخل النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة ورأى فيها قصراً لعمر بن الخطاب، وأخرى سمع خشخشة بلال بين يديه، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره.
يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته الشهيرة: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له".