وأدركنا شيوخنا ممن ليس لديهم من الكتب إلا الأصول المهمة في ثلاثة دواليب لا تزيد عن ثلاثمائة مجلد، أربعمائة مجلد، ومع ذلكم إذا فُتح أي مجلد وجد عليه أثر، أثر قراءة، وأثر في العلم وأثر في العمل، فليس جمع الكتب مما يمدح به الشخص إذا لم يكن ممن يستفيد من هذه الكتب، ويعمل بما علم، ولذا قال: "هل جامع الكتب إلا كجامع الذهب والفضة".
أثر هذه الكتب إذا دخلت في القلب، ولم يفد منها الفائدة المرضية، كأثر الذهب والفضة، يعني شخص من الأشخاص منهوم بالكتب، ومع ذلك قد تضيع عليه صلاة الجماعة بسبب الكتب، يعني عنده موعد مع شخص عنده كتب. . . . . . . . . يبيع، ثم بعد ذلك يمتطي السيارة مع الأذان ليصلي عنده، فإذا وصل إليه فإذا الجماعة قد صلوا، وهذا كثير، لماذا؟ لأن الوسائل حلت محل الغايات عندنا، وقاصر النظر عن إدراك المطلوب، ولا أريد أن أطيل في مثل هذا؛ لأنها حقيقة مرة نعاني منها، ويعاني غيرنا منها، فالقصد القصد، ولا يعني هذا أن طالب العلم لا يشتري كتب، يشتري ما يحتاجه من الكتب، والكتب متوفرة وميسورة -ولله الحمد-، لكن إما أن يجمع كل كتاب وكل طبعة من كل كتاب! هذا لا شك أنه يعوق عن التحصيل.
ثم ذكر -رحمه الله- حديث أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ )) وهذا هو الشاهد ((وعن علمه ماذا عمل به؟ )) فهو سوف يسأل عن هذا العلم الذي نام عنه، وكتمه عن الناس، وسئل فلم يجب، ولم يبذله، وقد جاء في الخبر: ((ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً)) وكثيرٌ من أهل العلم يتورع عن بذله، وليس هذا بورع، نعم قد يكون بالنسبة لبعض الناس الذي لا يملك نفسه عن قول: لا أعلم، قد يكون عليه خطر، قد يسأل عما لا يحسن ولا يتقن، ثم بعد ذلك تصاب المقاتل، على الإنسان أن يبذل، ولكن لا يبذل إلا ما يعلم، ولا يتشبع بما لم يعطَ.
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".