لكن الكرم له حدود، جميع الخصال التي جاء الحث عليها له حدود، الشجاعة ممدوحة، الحلم ممدوح، الكرم ممدوح، غير ذلك من الخصال لها طرفان، الكرم إذا زاد عن حده دخل في حيز المنع، في الإسراف والتبذير، ولذا جاء التوسط في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [(29) سورة الإسراء] نعم على الإنسان أن يتوسط في أموره فإذا جاءه ضيف يقدره بقدره، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، بعض الضيوف يكفيه الشيء اليسير، وبعض الضيوف منزلته كبيرة يقدر بقدرها، على أن لا يدخل ذلك في حيز التبذير والإسراف، وبعض الناس من أجل أن يقال، وهذا مع الأسف سائد كثير، يتكلف للواحد ما يكفي المائة، هذا موجود من أجل إيش يا أخي؟ نعم ضيفك عزيز وفاضل وله منزلة ومكانة، لكن يبقى أنه يقدر بقدره، وكما يقول الناس: الآن يتعارفون على أنه من الألفة عدم الكلفة، وأيضاً ليس القدر ما يوضع على الموائد، ليس هذا هو القدر، إنما القدر الذي يكون في القلوب من المودة والمحبة والتقدير والاحترام، وإنزال الناس منازلهم، يعني يذكر أشياء يظنها أو يخيل لبعض الناس أنها من الكرم وهي ليست من الكرم، ومظاهر السرف في هذه الأيام التي وسع الله فيها على المسلمين ظاهرة، والإسراف كفر للنعمة، وكثير مما يقدم في الولائم يكون من نصيب النفايات والأزبال، وهذا مؤذن بخطر عظيم أن ترفع هذه النعمة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] وليس هذا من شكر النعمة، وشخص كبير في السن، وقف على زبالة فإذا فيها الطعام كامل، بوادي بذبائحها مكبوبة في الزبالة، فجلس يبكي بجوارها، جلس يبكي بجوارها، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أنا بنفسي لا أروي عن أحد، أنا بنفسي بدون واسطة لا أروي عن أحد، شهدت هذا المشهد بفلسطين، ونزلت في الزبالة وأكلت منه حتى شبعت، وانظروا العاقبة، نسأل الله -جل وعلا- أن يحسن للجميع العاقبة.