يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا كله يدل على أن المراد بمقام إبراهيم في الآية مقامه المسمى بذلك عند البيت، وهو الحجر الذي كان فيه أثر قدمه -عليه السلام-، وهذا قول كثير من المفسرين، وقال كثير منهم المراد بمقام إبراهيم الحج كله، وقال بعضهم: الحرم كله، وقال بعضهم: الوقوف بعرفة ورمي الجمار والطواف، وفسروا المصلى بالدعاء، وهو موضع الدعاء، يعني حمل الصلاة في الآية على الصلاة اللغوية التي هي في الأصل الدعاء {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] أي ادعوا في المواضع التي دعا فيها إبراهيم -عليه السلام-، يعني من مقاماته التي دعا فيها من مشاعر الحج ومناسكه، ادعوا فيها كما دعا فيها -عليه الصلاة والسلام-.
والاختلاف في الصلاة هنا لا شك أن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة هي الصلاة ذات الركوع والسجود وهي ركعتا الطواف، وإن قال بعضهم أن المراد بها الدعاء، نظير ما قيل في ((إذا دعاء أحدكم أخوه فليجب، فإن كان مفطراً فيطعم، وإن كان صائماً فليصلي)) جمهور أهل العلم أن على أن المراد بالصلاة هنا اللغوية، الدعاء يدعو لهم وينصرف، وإن كان من أهل العلم من قال: يصلي ركعتين وينصرف؛ لكن قد ترد الصلاة ويراد بها المعنى اللغوي، وترد ويراد بها المعنى الشرعي، ومثل هذا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل أحد بعد ثمان سنوات كالمودع لهم، منهم من قال: أنه صلى عليهم صلاة الجنازة، ومنهم من قال أنه مر عليهم ودعا لهم الصلاة اللغوية، وإلا فالشهداء لا يصلى عليهم كما هو معروف.
يقول ابن رجب: "وقد يجمع بين القولين بأن يقال: الصلاة خلف المقام المعروف داخل فيما أمر به من الاقتداء بإبراهيم -عليه السلام- مما في أفعاله بمناسك الحج كلها، واتخاذها مواضع للدعاء وذكر الله -عز وجل-".
يعني ركعتي الطواف خلف المقام فرد من أفراد العام، يعني والتنصيص عليه لا يقتضي التخصيص، فالآية عامة تحتمل أشياء كثيرة مثل ما ذكره أهل العلم، لا تقصر على سببها من نزول هذه الآية استجابة لقول عمر: "لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى" وإنما تشمل ما يحتمله اللفظ.