قوله تعالى: ((لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ)) أي: الأشهر الحرم، ((وَلا الْهَدْيَ)) أي: ما يهدى إلى البيت من النسائك، كالإبل والبقر، والغنم، فلا تتعرضوا له بسوء.
((وَلا الْقَلائِدَ)) القلائد: جمع قلادة وهو ما يجعل في عنق البهيمة من نعل أو لحاء شجر أو عروة مزادة أو غير ذلك دلالة على أنها نسك يتقرب بها إلى الله عز وجل، وقيل: المراد ذوات القلائد وهي البدن.
قال سبحانه: ((وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)) أي: قاصدين البيت الحرام، فلا تستحلوا قتال من قصد بيت الله الحرام؛ لأن من دخله كان آمناً، وهذا كله قبل نزول سورة التوبة التي قال الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]، ولذلك لما نزلت هذه السورة بعث أبو بكر رضي الله عنه -وكان أمير الحج- منادياً ينادي: ألا لا يحجن بعد هذا العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، فحرم على المشركين دخول البيت الحرام.
((وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا)) (فضلاً) أي: التجارة، ((وَرِضْوَانًا)) كان المشركون يأتون إلى الحج يبتغون بزعمهم رضوان الله عز وجل، فالله عز وجل خاطبهم على ما يعتقدون.
قال سبحانه: ((وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا)) أي: إذا فرغتم من النسك، وحللتم من إحرامكم فقد أبحنا لكم ما كان محرماً عليكم في حال الإحرام من الصيد وذلك في قول الله عز وجل: ((وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)).
قال سبحانه: ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ)) أي: لا يحملنكم، كما قال القائل: ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا أي: حملت فزارة.
((شَنَآنُ)) مصدر على وزن طيران، وقرأ بعضهم: (شنْآن) على أنها صفة كعطشان، وسكران، وهي قراءة ابن عامر وشعبة وابن وردان.
وقوله: ((وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ)) أي: بغض قوم، ((أَنْ صَدُّوكُمْ)) أي: على أن صدوكم، وفي قراءة ابن كثير وأبي عمرو {إِنْ صَدُّوكُمْ} [المائدة:2] على أنها شرطية.
((أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)) أي: أن هؤلاء الذين صدوكم عن المسجد الحرام عام الحديبية لا يحملنكم صدهم إياكم على أن تقابلوا الفعل الحرام بفعل حرام، فالمسلمون لديهم آداب وقواعد وأحكام وتعاليم يقفون عندها.
قال الله عز وجل: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)) أي: على فعل الخيرات، وكل ما فيه تقوى الله، وقال بعض المفسرين: البر فعل الخيرات، والتقوى ترك المنكرات، وقال ابن جزي المالكي رحمه الله: الفرق بين البر والتقوى: أن البر عام في فعل الواجبات والمندوبات وترك المحرمات، وفي كل ما يقرب إلى الله، والتقوى في الواجبات وترك المحرمات دون فعل المندوبات، والمقصود: أن البر أعم من التقوى فبينهما عموم وخصوص.
قال الله عز وجل: ((وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) والفرق بين الإثم والعدوان: أن الإثم ما كان ذنباً بين العبد وربه، والعدوان ما كان فيه تعد على الناس، فالإثم كالشرك وشرب الخمر، والعدوان ما كان فيه عدوان على الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم، فهذا يسمى عدواناً.
قال سبحانه: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) شديد العقاب لمن عصاه ولم يتقه.