سبب نزول هذه الآية كما روى الإمام البخاري من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رجل في غنيمته فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك: {فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء:94] الآية).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: عرض الدنيا تلك الغنيمات التي أخذها الصحابة من ذلك الرجل الذي قتلوه.
وذكر ابن عباس سبباً آخر لنزول هذه الآية رواه الإمام أحمد عنه قال: (مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى غنماً له فسلم عليهم، فقالوا: لا يسلم علينا إلا تعوذاً منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية).
وهناك سبب ثالث ذكره الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله، قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثاً فلقيه عامر بن الأضبط، فحياهم بتحية الإسلام وكانت بين محلم بن جثامة وعامر بن الأضبط عداوة في الجاهلية، فعمد إليه فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له، فقال له صلى الله عليه وسلم: لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت له سابعة حتى مات، -أي: مات بعد سبعة أيام- فدفنوه فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: إن الأرض لتقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله أراد أن يعظكم، فطرحوه بين صدفتي جبل وألقوا عليه الحجارة، ونزلت الآية: ((وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا)) [النساء:94]).
وفي الصحيح أن أسامة بن زيد رضي الله عنهما (كان في معركة فلما أهوى بسيفه على رجل تشهد الرجل شهادة الحق فقتله أسامة، فلما جاء وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام قال: أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! قال: يا رسول الله! ما قالها إلا تعوذاً من القتل، قال عليه الصلاة والسلام: فهلا شققت عن صدره! كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟! حتى قال أسامة: تمنيت أني ما أسلمت إلا يومئذ).
هذه أربعة أسباب مروية في سبب نزول هذه الآية، وكما علم من علوم التفسير بأنه لا مانع من أن تتعدد الأسباب ويكون المنزل واحداً، فقد تنزل آية واحدة وتتعدد أسبابها.