النداء الثامن في الآية الرابعة والستين بعد المائتين: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264] الله جل جلاله خالق النفس وهو أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير، يعلم أن النفس الإنسانية مجبولة على الشح، وأنها تحب ذاتها وتكره إخراج المال، إلا إذا ترقت هذه النفس، وتطبعت بالخصال الحميدة والصفات الجميلة لالتزامها بشرع الله عز وجل، إذ شرع الله يأمرنا بالنفقة، ويخبرنا بأن الله عز وجل يخلف علينا، كما قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]، وفي الحديث أن الملك يقول: (اللهم أعط منفقاً خلفاً)، وفي الحديث الآخر: (ثلاثة أقسم عليهن: ما نقص مال من صدقة)، ولذلك الشريعة تؤدبنا في هذه الصدقة، وتقول لنا: يا مؤمنون! لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، فالمن هو ذكر النعمة على وجه التعديد لها، بأن يقول المتصدق لمن تصدق عليه: ألم أعطك؟ ألم أتفضل عليك؟ ألم أكرمك؟ ألم أفعل لك كذا وكذا؟ وهذه هي سنة فرعون الذي قال لموسى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء:18 - 19]، ففرعون هو المنان الأول، ولذلك المن من أراذل الأخلاق، وقد نهى عنه رب العالمين جل جلاله، وأكد النهي رسوله صلى الله عليه وسلم.