بيان الأصل في الأشياء من حيث الطهارة والنجاسة وتعداد النجاسات

ما هي النجاسات؟

صلى الله عليه وسلم الأصل في الأشياء الطهارة، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29]، فهذا الكيس طاهر، وهذا الجهاز طاهر، وهذا الثوب الذي ألبسه طاهر، والمقعد الذي أجلس عليه طاهر، وكل الأشياء طاهرة إلا أشياء معينة بينت الشريعة أنها نجسة.

ومعنى ذلك أنه لو اختلف اثنان في شيء ما هل هو طاهر أو نجس فالمطلوب الدليل ممن يقول بأنه نجس؛ لأن الأصل في الأشياء كلها الطهارة.

إذاً: فما هي الأشياء النجسة؟

صلى الله عليه وسلم أولها: المسكرات المائعات كالخمر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) [المائدة:90].

والمسكر: هو كل ما أذهب العقل دون الحواس مع نشوة وطرب، وهو بخلاف المخدر، فإنها تذهب العقل دون الحواس من غير نشوة ولا طرب، فالسكران الذي يشرب الخمر يذهب عقله، وأما حواسه فموجودة، فإذا وضع يده على شيء ساخن أبعدها، ويكون ذلك مع نشوةٍ وطرب، فتجده يفرح ويغني، ويضحك ويتكلم، وأما من يتعاطى المخدرات فإن عقله يذهب وحواسه موجودة، لكن لا يكون هناك نشوة ولا طرب.

ثانيها: ما فصل من أجزاء الحيوان البري وهو حي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته)، والحيوانات إما طائرة، أو برية، أو مائية، والمائية مضى معنا قوله صلى الله عليه وسلم فيها: (الحل ميتته)، فلو خرجت ميتة من البحر فلا بأس بها، فلو أخرجنا سمكاً ميتاً فإنا نأكله ولا شيء علينا.

وأما الحيوانات البرية فهي كالخراف والمعز وما أشبه ذلك، فلو أن إنساناً قطع منها شيئاً وهي حية فهذا الشيء نجس؛ لأنه لم تلحقه الذكاة الشرعية، فلو كان عندك جمل مثلاً وكان سنامه كبيراً، فقطعت هذا السنام لتأكله فلا يجوز ما دام حياً.

وإذا كان عندك خروف إليته كبيرة، فقطعت هذه الإلية لتأكلها فلا يجوز لك أكلها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته).

وهناك أشياء تنفصل من الحيوان البري وهي ليست بنجسة، كالعرق والمخاط والدمع واللعاب، فهذا كله طاهر، فقد جاء في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب فرساً عري لـ أبي طلحة)، أي كان الفرس من غير سرج، ومعروف أن الفرس إذا مشى ورُكب عليه فإنه يعرق، وهذا العرق سيخالط الثياب، فالرسول صلى الله عليه وسلم ركب على هذا الفرس ولم يأتِ عنه أنه غسل أثر العرق، فهو إذاً طاهر وليس بنجس.

وجاء في حديث عمرو بن خارجة قال: (كنت آخذ زمام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ولعابها يسيل على كتفي)، فعلم بذلك أن هذا اللعاب طاهر.

إذاً: أول نوع من أنواع النجاسات هو: المسكرات المائعات، والنوع الثاني: ما انفصل من الحيوان البري وهو حي، إلا العرق واللعاب والدمع.

ثالثها: الميتة، فالميتة نجسة، ويستثنى منها الريش والصوف والشعر والوبر، فهذه كلها طاهرة؛ لأنها لا تحلها الحياة، قال الله عز وجل: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل:80]، ولم يستثن الميتة، ومثاله: أن يكون عند الرجل في البيت خروف مثلاً، وكان الجو بارداً، فأراد أن ينتفع بصوفه فمن الممكن أن يجز صوفه ولا حرج في ذلك إن شاء الله.

إذاً: الميتة نجسة، قال الله عز وجل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:145]، والرجس: هو النجس، والميتة نجسة إلا ميتة الآدمي، فالآدمي لا يوصف بأنه نجس.

رابعها: الدم المسفوح، وهو الدم الذي يجري عند موجب جريانه.

وقيدنا الدم بالمسفوح ليخرج الدم غير المسفوح، فمثلاً قد تأتي بلحم إلى بيتك فإذا طبخته فإنك ترى في القدر قليلاً من الدم، أو قد ترى في عروق ذلك اللحم قليلاً من الدم، فهذا لا يضر؛ لأنه ليس دماً مسفوحاً، فإنك إذا مررت بالسكين على ذلك اللحم فإن ذلك الدم لا يسيل، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: كنا نطبخ اللحم فنرى الدم في أعلى القدر.

خامسها: القيح والصديد، فهما نجسان لأنهما متولدان عن الدم، وهناك شيء ثالث وهي السوداء، وهو دم أسود يخرج من معدة المريض عافانا الله وإياكم فهي نجسة أيضاً.

سادسها: المذي، وهو ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة أو التفكر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ علي بن أبي طالب لما سأله عن المذي: (اغسل مذاكيرك وتوضأ)، والأمر بالغسل لا يكون إلا من الشيء النجس.

سابعها: الودي، وهو ماء أبيض خاثر، يعني: فيه ثخانة، يخرج إثر البول، فيجب منه ما يجب من البول.

ثامنها وتاسعها: بول الآدمي ورجيعه، فبول الآدمي وكذلك رجيعه نجسان باتفاق، قال أنس رضي الله عنه: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه -أي: اكفف عن هذا- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه) أي: لا تقطعوا عليه بوله، وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم بُعد نظر؛ لأن الرجل لو ضُرب فإنه سيقوم ويتحرك فبدلاً من أن يبول في مكان واحد فإنه سينجس عدة أمكنه، وبدلاً من أن ينجس المسجد فإنه سينجس بدنه وثيابه؛ لذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه) فتركوه حتى بال، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من القوم فجاء بدلوٍ من ماء فشنه عليه، أي: صبه في مكان البول وانتهت المشكلة، وهذا من حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بالأعرابي وقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات، وإنما هي لذكر الله وتلاوة القرآن)، ففرح الأعرابي بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياه، ثم ذهب يصلي فقال: اللهم! ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد حجرت واسعاً) أي: إن رحمة الله وسعت كل شيء.

فالمقصود هو أن نتعلم من هذا درساً في معالجة المفسدة بالحكمة خاصة مع الصغار وضعاف العقول وما أشبه ذلك.

العاشر والحادي عشر: بول ما لا يؤكل لحمه ورجيعه، وما لا يؤكل لحمه مثل: الخنزير والكلب والحمر الأهلية -وهي الحمير الموجودة بين الأهالي-، وأما الحمير التي في الخلاء فهذه لا يشملها هذا الحكم، فما لا يؤكل لحمه بوله ورجيعه نجس، ومثال ما يؤكل لحمه البقرة والثور والمعزة والتيس والنعجة والكبش والجمل والناقة والطيور بأنواعها.

فعندنا قاعدة وهي: ما يؤكل لحمه بوله طاهر ورجيعه طاهر، فإذا أتيت إلى المسجد وأمسكت بشاة -مثلاً- فبالت على ثيابي، فمباشرةً أذهب أصلي، ولا حرج عليَّ.

مثال آخر: دخلت تحت جمل، فبال على رأسي، فأصلي ولا حرج عليَّ، والدليل على ذلك: أن جماعة من البدو -من الأعراب- جاءوا إلى المدينة فأسلموا، وأظهروا الإسلام، فأصابهم مرض في حلوقهم، -أو كما جاء في الحديث- فاستوخموا المدينة، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يذهبوا إلى إبل الصدقة -الإبل التي أخذوها من الزكاة- فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فشربوا فصحوا أي: رجعت إليهم صحتهم، فقتلوا الراعي، وسملوا عينيه، أي: كحلوها بالمسامير المحماة بالنار، ثم ساقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام، فهؤلاء ارتكبوا أربع جرائم: الردة وهي أفحشها، ثم القتل، والتمثيل بالراعي، والسرقة، فالرسول صلى الله عليه وسلم: أتى بهم فأقام عليهم حد الحرابة إلى آخر القصة، والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها، قالوا: معناه أن كل ما يؤكل لحمه فبوله ورجيعه طاهر.

وإذا كنت جالساً في المسجد النبوي الشريف، أو جالساً عند الكعبة المشرفة فذرقت حمامة عليك، ووقع ذرقها على ثيابك، فلا حرج في ذلك؛ لأن الحمام يؤكل.

الثاني عشر: المذر، وهو ما تعطل من البيض، فالبيضة إذا تعطلت فهي نجسة؛ لأنها بمنزلة الميتة.

الثالث عشر: القيء المتغير، مثاله: إنسان طعم طعاماً، وهذا الطعام مكث في بطنه ثم قاءه وقد تغير لونه وريحه، فهو بمنزلة الرجيع فهو نجس أيضاً.

أما القيء غير المتغير فطاهر، مثاله: إنسان مصاب بملاريا، تجدونه يشرب الماء ثم يتقيؤه فهذا ليس بنجس، ولا يعد نجساً؛ لأنه ليس متغيراً.

الرابع عشر: الكلب نجس، والدليل على نجاسته قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب)، فالكلب ليس نجساً فقط وإنما نجس نجاسة مغلظة، ولا يوجد حيوان آخر أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نغسل الإناء منه سبع مرات بهذا التغليظ إلا الكلب، فالكلب من الحيوانات النجسة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015