رؤية الملائكة كرامة للصالحين

الصحابة يحبون أن يأتي رجلٌ عاقل يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أسئلة وجيهة طيبة مفيدة.

فأتى جبريل عليه السلام ولم يعلم الناس حتى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه هو الذي دخل، أولاً: لأن الله عز وجل لم يوح إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن جبريل سوف يأتيك ليسألك أسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتجهز بالإجابة، ولم يذاكر ولم يراجع معلوماته في هذه الأسئلة العظيمة، إنما كان ذلك مع الصحابة، وجبريل أتى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد؛ لأنها أشرف بقعة يتناول فيها العلم؛ لأن في المسجد نوراً وبركة وهداية، فمن أراد الفائدة والعلم فعليه بالمسجد.

ثانياً: لأنه أتاه في صورة رجل؛ لأنه لو أتى في صورته التي خلقه الله عليه لخرج الصحابة من العوام من المسجد فراراً؛ يقول صلى الله عليه وسلم: {أريت جبريل مرتين على صورته التي خلقه الله عليها} ولما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في حراء ارتعد خوفاً، وقفل يقول: زملوني زملوني، وهو صلى الله عليه وسلم من أولي العزم، فما بالك لو رآه أحد الصحابة على هذه الصورة، أين ستكون قلوبهم آنذاك وعقولهم؟!

ودخل جبريل في صورة إنسان جميل، وكان يأتي في صورة دحية الكلبي، وهو رجلٌ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كان من أجمل الناس، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرسله إلى الملوك وفداً بالرسائل؛ لأنه يختار السمة والشارة الطيبة، فيختار دحية بن خليفة الكلبي من بني كلب، حتى قال بعض الصحابة: رأيت دحية مر اليوم عليه عمامة، وهو جبريل عليه السلام، وجبريل لا يراه إلا أهل الكرامة من الصحابة رضوان الله عليهم.

حتى إن العباس بن عبد المطلب دخل هو وابنه عبد الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلم العباس وسلم ابنه عبد الله، فرد صلى الله عليه وسلم فأتى العباس يكلم الرسول صلى الله عليه وسلم فما كلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ ابنه عبد الله وخرج، وقال: كيف أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكلمني؟ قال: أما ترى الرجل الذي يكلمه؟! قال: ما عنده رجل، قال: والذي نفسي بيده إن عنده رجلاً جالساً، فعادا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يجدا رجلاً، فقال: يا رسول الله إن عبد الله يقول: إن عندك رجلاً ولم أر عندك أحداً، قال: يا عبد الله! أرأيته؟ قال: نعم رأيته بأبي أنت وأمي يا رسول الله! قال: هذا جبريل، وهذه كرامة لـ عبد الله لما علم الله في قلبه من اليقين والإيمان، ولم يرها أبوه لأمرٍ علمه الله عز وجل.

ويقول سعد بن أبي وقاص: [[رأيت الملائكة يوم أحد]] ورئيت كذلك يوم بدر، أما سعد فرآها يوم أحد نزلت وعليها الثياب البيض والعمائم البيض مسومة، وقاتلت مع الناس.

إنما أتى جبريل عليه السلام فدخل المسجد والناس جلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال عمر: {ولا يعرفه منا أحد} لماذا؟

يقول: {شديد بياض الثياب}.

والمسافر الذي يمضي على رجله لا بد أن تتسخ ثيابه وتغبر؛ لكن هذا ما اتسخت ثيابه، وثيابه بيضاء؛ لأنه نزل من السماء للتو؛ لكن لم يدر الناس أنه نزل من السماء.

{شديد سواد الشعر}: أي أنه ليس فيه غبار السفر ولا شعثه، فدخل حتى جلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس على ركبتيه كما نجلس في التحيات، وهي من أحسن الجلسات كما أنها جلسة المتواضعين، فلذلك جعلها الله عز وجل من سنن الصلاة كما سنها صلى الله عليه وسلم، وهي جلسة طالب العلم عند المعلم إذا كانوا جلوساً على أرضٍ سواء.

{فجلس فأدنى ركبتيه من ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضع يديه على فخذيه} قال بعض أهل العلم: هما يدا جبريل على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: بل يدا جبريل على فخذيه، والصحيح أنه على فخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: ذلك ليبعد الشبهة عن نفسه، وليظهر بعض الجفاء، فإنه وضع يديه على ركبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لئلا يظن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ملك من السماء، فيظن أنه من الناس، ثم بدأ بالأسئلة، وهذه الأسئلة عرضها البخاري، ولكنها معروضة في مسلم وسوف أذكر اختلاف الرواية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015