اجتمع الأنصار في مجلس في سقيفة بني ساعدة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما اجتمع الأوس والخزرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفن، ويظنون أن الخلافة في الأنصار، لأنهم هم الذين نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما الخلافة لا تكون إلا في قريش، ولو تأخر أبو بكر وعمر ساعة، لكانوا ولَّوا خليفة منهم، وانتهى القرار بالإجماع على الخليفة، ثم ضاع الأمر وتقاتلت الأمة، فأتى عمر قال: يا خليفة رسول الله أدرك الأنصار في سقيفة بني ساعدة يجتمعون، فذهب أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فدخلوا عليهم، وهم مجتمعون، فحاول عمر أن يتكلم فما سمعوا، فقام أبو بكر يتكلم، وكان فصيحاً نسيباً لين القول، فقال: آويتمونا، ونصرتمونا، وأكرمتمونا، وواسيتمونا، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي في قبيلة بني جعفر -وهو يستشهد بأبيات عل الله أن يهديهم، وانظر ما أحسن الأبيات-:
جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلت
هم خلطونا بالنفوس وألجئوا إلى غرفات أدفأت وأظلت
أبوا أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملت
فلما سمعوا الأبيات دعوا لـ أبي بكر واستمعوا كلامه، ثم بايعوه بالخلافة.
القول اللين، يقول عمر: يعجبني من الرجل أن يقدم أبياتاً بين يدي حاجته، ولذلك فإن الشحاذين الآن عند السلاطين إذا أراد أحدهم شيئاً من الدنيا ينظم ستين بيتاً، أنت يا بركة العصر، ويا فاتح الدنيا، فيعطيه، وأهل الحق أولى، ولهذا لما أرسل الله موسى وهارون إلى فرعون قال لهما: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] والشعر هذا سحر، يقلب المعايير، أحياناً يجعل الظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، بسبب الأبيات والبيان والشعر.