المسألة الثالثة: لقد أظهر البغاة من العلمانيين اليوم حربهم سافرة على أولياء الله، وشهَروا سيوفهم وردُودهم، وردَّدوا سخرياتهم في الصحف والمجلات وفي وسائل الإعلام، وليس لنا وسيلة إلا منبر محمد عليه الصلاة والسلام، نقف أمام الرأي العام لنحاكمهم تحت مظلة قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5].
ولا زال أحد كتابهم المرموقين وشعرائهم اللامعين الذي اكتسب سطوعاً ولموعاً، وما كان له أن يسطع ويلمع؛ لأن من لم يتجه إلى الله فلا سطوع له، ومن لم يحكِّم (لا إله إلا الله) فلا لموع له؛ لكن أبى إلا أن يسطع ويلمع، وليته سطع ولمع على حساب دنياه، وشهرته، ولكن ما كفاه ذلك حتى أخذ الملتزمين والصالحين جسوراً إلى أهدافه، وأخذهم عوابر إلى مخططاته، هذا الكاتب طالعنا في جريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة العدد (4371) وهو يتحدث عن التغيرات التي يطمح إليها، تغيرات كيان الدين الإسلامي، وتغيرات المبادئ الخالدة، وتغيرات المنهج الرباني الذي شرفنا الله به؛ ولكنه بذكاء عجيب يأخذ إشارات وعمومات من الإسلام لينفث سُمَّه وحقده وحسده وضغينته، يقول في هذا العدد -وهو يطالب بتغيير في بُنية المجتمع، ومسيرته والتزامه-: ولم يكن من الطبيعي ولا من المعقول أن تتم هذه التحولات الحضارية الهائلة دون أن تتبعها تغييرات مادية وفكرية واجتماعية.
أنحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟!
ألا نعرف اللغة العربية؟! ولا نعرف مقاصد الكلام، وماذا يريد أن يقول؟!
يريد هدم الإسلام لَبِنَة لَبِنَة، وتدمير صرح الفضيلة، وهذا الكاتب والشاعر المشهور قرأتُ في مجلة الدعوة قبل ثمان سنوات مقابلة له قدمت في أمريكا، ظن أنها لن تصل إلينا؛ لكن الله أوصلها إلينا، فقد سئل عن حالنا -وهو من أبناء الجزيرة -: كيف حالكم في الجزيرة؟
قال: ما رأينا النور منذ ثلاثة آلاف سنة إلى الآن! ونقول: أما أنت صدقت فلم ترَ النور إلى الآن، ولكن نحن والله رأينا النور، وعشناه وأبصرناه ومشينا فيه، وشربنا منه {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35].
أما نحن -أيها الكاتب- فقد أتى محمد عليه الصلاة والسلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]
أين ما يدعى ظلاماً يا رفيق الليل أينا إن نور الله في قلبي وهذا ما أراه
قد سرينا في ضياء الوحي حباً واهتدينا ورسول الله قاد الركب تحدوه خطاه
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122].
عرضت مقولته على سماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز فقال: إن اعتقد ما يقول فقد ارتد عن الإسلام، وعليه أن يجدد إسلامه ويدخل في الدين من جديد.
يقول في ذلك العدد: والحوار الذي يدور حول القضايا المفتوحة يجب أن يتم في جو هادئ بعيداً عن التشنج -اسمع الحكمة، واسمع العلم والمنطق- بعيداً عن التشنج والانفعال، بعيداً عن استعداء السلطة على الرأي الآخر، وبعيداً عن الاتهامات التي تلقى في أماكن الصلاة وبلا مبالاة.
ما هو الحوار المقصود؟ حوارٌ بأن يجعل الشريعة مستعدة لأن نتفاوض عليها، وأن يؤخذ منها ما يُراد، ويترك منها ما يُراد: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] ثم يكون هو حكيماً ويكون هو أستاذاً ومنظراً وعالماً، ومن أين له العلم؟! وعجبتُ له كل العجب! ورأيتُ له مقالة سيئة وقد كتبت رداً عليها، ولكن لم ينشر.
وأتاني والله عشرات من الشباب مجروحةً مشاعرهم، باكيةً عيونهم، متأثرةً أرواحهم؛ لأنه يلدغهم من حيث لا يشعرون، ثم يأتي بخنجره ويجزرهم علانية أمام العالم بحجة الحكمة والحوار والهدوء.
ولو كان خصمي ظاهراً لاتقيته ولكنه يا قوم يبري ويلسعُ
هو لم يشهِّر، ولكنه لدغ ولسع، يأتيك يمدح العقيدة ثم يبث السم، يأتيك بالرسالة في الإسلام ثم يكبت الإسلام، يأتيك بالاستفاضة في المناهج الربانية ثم يدوس المناهج الربانية.
أيها الكاتب! أيها الأديب! أسألك بـ {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:7 - 8] أن تحكم عقلك إن كان لا دين لك، من الذين يسحتقون هذه الردود وسط العاصفة! هو يكتب في عين العاصفة، وهو الذي يثير علينا العاصفة، أعدوٌّ من الخارج وعدوٌّ من الداخل؟! أيلدغنا في وقت حرِج مقابل الدبابات المعتدية الغاشمة الجاثية على حدودنا، ونقابل جيوشاً جرارة تريد مقدساتنا، فيتركنا في الوقت الحرج، فيغير علينا؟!
وأسالك -يا أيها الكاتب- بالذي جعل لك عينين، ولساناً وشفتين، وهداك النجدين، أن تقف وتفكر؛ من الذين أسسوا العدل في العالم؟! من الذين خاطبوا العدل في النور، وأوصلوا الفتوح إلى الدور، وعمروا القصور بعدل في القصور؟! من الذين طهروا الشعوب؟! من الذين قضوا على الفجور والخمور والعُهر، إلا أبناء (لا إله إلا الله).