أما مواطن "لو" في القرآن، قال سبحانه وتعالى: {يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} [آل عمران:154] قال المنافقون في معركة أحد لبعضهم البعض: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:168] جلس فريق من المنافقين، وقالوا لإخوانهم من المنافقين: لا تخرجوا إلى أحد، ننذركم الحرب، لو كنا نعلم أن هناك نصراً أو فائدة لخرجنا، فلما خرجوا وقتلوا قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168] وهذا خطأ وفيه معارضة للكتاب والسنة، وقد ذمها الله عز وجل؛ لأنها عارضت القضاء والقدر، ويقول سبحانه وتعالى راداً عليهم: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] فأخبر سبحانه وتعالى أن القضاء والقدر سبق أنه يغلب كل غلاَّب، وأنه لا يغلب القضاء والقدر أحد.
وقال سبحانه وتعالى عن المنافقين: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} [التوبة:42] في معركة تبوك يقولون: يا ليتنا نستطيع أن نخرج معكم، لكن كذبوا ليس لهم همة ولا مقصود ولا مطلوب، فقالوا: لو استطعنا لخرجنا معكم، ويعلم الله أنهم يستطيعون، يقول أحدهم: {ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة:49].
ويقولون: لو استطعنا يا رسول الله لخرجنا معك، لكننا لا نستطيع، وقالوا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آل عمران:167] لأنهم كذبوا وعارضوا القضاء والقدر: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران:168].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] والبروج هي: الحصون أو القصور، والمشيدة هي: التي ترمز بالشيد من حصانتها، فالله يقول: {يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة} [النساء:78] {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] فلو جاءت هنا في القرآن على الجواز، ولكن هناك للذم.
إذاً "لو" تجوز في ثلاثة مواطن:
أولها: إذا لم تعارض قدر الله ومشيئته.
الأمر الثاني: إذا كانت للاستقبال، جاز استخدامها.
الأمر الثالث: إذا كانت لمصلحة دينية وفائدة شرعية فاتت العبد، كما لو فاتت الصلاة على العبد وقال: لو أني استيقظت، لو أني فعلت أو لو أن لي منبه لتنبهت وتحسَّر على هذا الأمر، فهذا جائز.
أما استخدامها بعد العجز وعدم بذل الأسباب، فهذه محرمة، كمثل من كان لا يذاكر فرسب، فيقول: لو أني ذاكرت لنجحت، فهذا عارض القضاء والقدر بـ (لو) ثم بكسبه فعل أمور محرمة.