في هذا الحديث قضايا:
أولها: مخاطبة الناس على قدر عقولهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام يخاف من الكفار يوم أسلموا أن يبدل شيئاً من الكعبة فيقول الكفار: انظروا! حتى الكعبة ما تركها حتى بدَّلها، فترتد وتنكر قلوبهم، فتركها صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [[إنك لست مُحدِّثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة]] ولذلك حق على الداعية والمتكلم أن يُقدِّر قدر المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، لا يأتي إلى أناس لا يعرفون الأبجديات في الإسلام، ويقول: ذهبت القدرية، والمعتزلة والمرجئة، والجهمية، والأشاعرة إلى كذا، وذهب أهل السنة إلى كذا، عقولهم لا تدرك هذه المستويات من الدقة والخلافات والتعمق، فهذا أمر لا بد أنُ ينتبه له.
قال علي رضي الله عنه [[ w=8000267>> حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]] فحق علينا أن نُحدِّث الناس بما يعرفون.
والقضية الثانية: قوله صلى الله عليه وسلم: {فأخاف أن تنكر قلوبهم}.
إن على الداعية أن يتَّلمس المنافذ للدخول إلى القلوب، لكن لا يأتي إلى أمور كأنها غيبيات ما سمعوا بها فتنكر قلوبهم، فيصابون بكبت نسأل الله العافية.
والقضية الثالثة: لما حدثت عائشة رضي الله عنها ابن الزبير بهذا الحديث وهو خليفة -تولى الخلافة ست سنوات- هدم البيت، وأدخل الجدار في الكعبة، فأتى عبد الملك يطوف بالكعبة، فهدمها وأعادها على ما كانت عليه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام.
لقد كان الناس حديثو عهد بجاهلية، ولكن لما ماتوا أتى ابن الزبير في خلافته، فأدخل الجدار داخل الكعبة، لكن عبد الملك بن مروان قتل ابن الزبير، صلبه عند الحجون بواسطة الحجاج، فغضب حتى لا تكون الكعبة من مشاريع ابن الزبير، فنقضها وأعادها على البناء الأول، وأخذ عبد الملك يقول: كذب ابن الزبير، ألا يستحي من الله، يقول: إنه سمع عائشة تقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {لولا أن قومك حديثو عهد بالجاهلية، لأدخلت الجدر في البيت، وألصق بابه في الأرض} فقال العلماء بجانبه: صدق ابن الزبير، قالت عائشة هذا عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
ولما أتى هارون الرشيد بمشروع آخر لتوسعة الكعبة استشار الإمام مالك، فكتب له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين! لا تفعل ذلك، فإن فعلت ذلك؛ أصبحت الكعبة لعبة للملوك، كلما أتى إنسان غضب على الذي قبله، قال: باسم الله! تُهدم الكعبة وتُبنى من جديد، فتوقف هارون الرشيد بهذا الرأي السديد الحازم، فبقيت على أصلها كما كانت في عهده صلى الله عليه وسلم.