سعيد بن المسيب، حيا الله سعيد بن المسيب سيد التابعين بلا مرية، اختلف أهل العلم أيهم سيد التابعين؟ قالوا: سعيد بن المسيب، أو الحسن البصري أو أويس القرني، قالوا: أما في الزهد فـ أويس؛ فإن فيه أحاديث، وأما في العلم والنقل والفقه فـ سعيد بن المسيب، وأما في أعمال القلوب والرقائق فـ الحسن البصري.
وسعيد بن المسيب قرشي زهري، كان قوي الشخصية إلى الحد الذي يفوق الحصر، رفض أموراً كثيرة عُرِضَت عليه، جلد وابتلي ورفع الله منزلته، كان يجلس بعد الفجر، وكانت ثيابه بيضاء، وكان يعتني بالطيب والسواك والوضوء، وكان يستقبل القبلة، قالوا: كان يجلس متربعاً حتى يؤذن لصلاة الظهر وهو يذكر الله، وقيل عنه: إنه كان يصوم كثيراً من الأيام، وما رئي إلا قليل من الأيام وهو مفطر.
ويقول: والله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الإمام أربعين سنة، وما نظرت إلى ظهر أحدٍ في الصلاة إلا إلى الإمام، قال: ولما وقعت معركة الحرة، التي دبرها يزيد بن معاوية، ولو أن بعض المؤرخين ينفي هذه المعركة عن يزيد، ويبرئ ساحته من المعركة، لكنه أرسل مسرف بن عقبة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء} في لفظ: {لا يكيد أحد المدينة إلا أنماع كما يذوب الملح في الماء} فأرسل جيشاً من دمشق فدخل المدينة، فاستباحها ثلاثة أيام، وقتل أبناء المهاجرين، والأنصار، وخرجوا من المسجد خائفين، قال سعيد: -كما في سيرته-[[فبقيت في المسجد كلما حضر وقت الصلاة أسمع الأذان من قبره صلى الله عليه وسلم]] هكذا ورد وهذه الرواية هذه صحيحة.
يقول سعيد: سمعت أبا هريرة يقول: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال} وصال الليل بالنهار، وقد فعله بعض الصحابة والتابعين، ولكن هذا مردود عليهم بالسنة، قال الذهبي: فعرضنا عبد الله بن الزبير وكان من أقوى الناس على العبادة، يمر به ليلة -كما في سيرته- فيجعل الليل من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر قائماً يقرأ، والليلة الثانية راكعاً إلى صلاة الفجر، والليلة الثالثة ساجداً إلى صلاة الفجر، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء بسند صحيح عنه: كان يصوم سبعة أيام ليلاً ونهاراً ويفطر في اليوم الثامن، سبعة أيام سرداً، ويفطر على سمن الأبقار، وكان عابداً من الدرجة الأولى، طاف بالبيت يوم أن اقتحم السيل الحرم، فطاف في السيل رضي الله عنه وأرضاه، ولم يكن كبير جثمان وإنما كان نحيفاً، ذكر أنه كان إذا خطب ارتجت له نواحي الحرم من صلابة صوته وشجاعته، وهو الذي قتله الحجاج: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134].
إذاً ورد النهي عن الوصال والسرد، وسرد الأيام -أي: صيام الدهر- منهي عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد}.
أي: أنه ينهى أن يصوم الإنسان كل الأيام وعليه بالسنة أن يصوم ويفطر، أما السرد فمنهي عنه، وأما الصحابة الذين فعلوا ذلك؛ فيحمل على أنه ما بلغهم النهي، رضي الله عنهم وأرضاهم.