تأتي (لو) على معانٍ: تأتي بمعنى: إن الشرطية، كقوله سبحانه وتعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] أي: وإن أعجبتكم، فـ (لو) تأتي شرطية.
وتأتي للتقليل: التمس ولو خاتماً من حديد، وفي الحديث: {أن امرأة أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فعرضت نفسها؛ ليتزوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم فأعرض عنها، فأتى رجل فخطبها، فقال عليه الصلاة والسلام: أعندك شيء؟ قال: لا، قال: التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب فلم يجد شيئاً، فقال: أعندك شيء من القرآن؟ قال: نعم.
قال: ماذا عندك؟ -في بعض الروايات- قال: سورة البقرة، قال: زوجتك إياها بما معك من القرآن} والشاهد: التمس ولو خاتماً من حديد، فـ (لو) هنا للتقليل.
ولو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان
لهان عليَّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
يقول الشاعر: يا ليت الذي يخاصمني على مستواي! لكنه رجل متبذل، يخصمني وهو رجل حقير صغير، حتى إن ابن القيم كما في شفاء العليل في "كتاب القدر" يقول: بلينا -والله- بالمبتدعة أفراخ الصابئة وأذناب المجوس! أي: أنهم يهاجمون أهل السنة والجماعة.
ثم قال: ولو أني بليت بهاشمي: أي: من بني هاشم، من أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
خئولته بنو عبد المدان: وهي أسرة كبيرة من العرب.
لهان علي ما ألقى: أي لو كان خصمك فيه قوة، لهان عليك.
ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني: والعرب يصيبها المضض إذا كان خصمه حقيراً ثم أذله، ولذلك يجدون مضاضة أن يذلهم الحقير.
الحارثي أحد شعراء العرب وعظمائهم في نجران، أتت إليه امرأة عجوز فضربته على وجهه، لأنه قتل ابنها، قال: ليتها صاحبة معصم تكون ضربتني على وجهي، كأنه يقول: عجوز وتضربني؛ لأنه مكتف مقيد كالأسد، قتل ابنها وقتل أشراف قومها، ثم رسم قصيدة يقول:
وتضحك مني شيخة عبشمية كأن لم تر قبلي أسيراً يمانيا
إلى آخر القصة، والشاهد: أن (لو) تستخدم للتقليل.
وتستخدم (لو) للعرض تقول: لو تنزل عندنا أكرمناك، لو تأتينا أتحفناك، ولو تسعدنا شرَّفناك.
وتستخدم للحصر: لو فعلت كذا لكان أحسن، لو ذاكرت كان أفيد، لو صليت كان أنفع، لو ذكرت الله كان أعظم لأجرك.
وتستخدم بمعنى (هلاّ) قال تعالى: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77].
في الرحلة الطويلة لموسى عليه السلام مع الخضر وكان فيها أعاجيب، كما قال تعالى عن الجن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:1] العفاريت يقولون: القرآن عجبٌ، وكثير من الناس لا يعجبون من القرآن! وفي آخر المطاف نزل الخضر وموسى عليهما السلام فاستطعما أهل القرية فلم يطعموهما بسبب اللؤم والبخل:
لا يقبض الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عودُ
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديدُ
إلى أن يقول:
إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
فالخضر رأى الجدار يكاد أن يسقط فقام فبناه، قال موسى: سبحان الله! قوم حملونا بالسفينة بغير أجر وخرقت السفينة، وقوم لم يطعمونا وبنيت لهم الجدار {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77] قال: هلاَّ من باب الأدب.
وتستخدم: للتمني، قال سبحانه: {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:102] لكن ما تنفعهم كرة؟ يقول أهل الجحيم في الجحيم: ياليت لنا عودة إلى الدنيا، لكن (لولا) للتمني.
وتستخدم شرطية جزائية: لو جئتني أكرمتك، ولو ذاكرت نجحت.
قال أحد العرب وقد سرقت إبله من قبيلة مخاصمة محاربة، فذهب إلى قومه فقال: أنجدوني!
كانوا جبناء حتى أن بعض القبائل العربية قبل الإسلام كانت القبيلة تقية ورعة، قالوا: فيها جبن، حتى أن الحطيئة يسب قبيلة يقول:
قُبِّيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
يقول: ماشاء الله! ما أحسن هذه القبيلة، لسكونها ووقارها وورعها لا يغدرون بالناس، وهذا من جبنها، وهو يعني: الذم، فذهبت القبيلة إلى عمر رضي الله عنه، فقالت: يا أمير المؤمنين! سبنا وشتمنا، قال عمر: عليّ به! فأتي بـ الحطيئة، وقد كان من كبار الشعراء؛ لكنه بذيء اللسان، وفي مجلس عمر دخل أمير أهل العراق الزبرقان بن بدر قال: سبني يا أمير المؤمنين! وأتى ثانٍ وثالث، قال: سبني يا أمير المؤمنين! قال عمر: ماذا يقول فيكم أيتها القبيلة؟ قالوا:
يقول:
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
قال عمر: ياليتني كنت كذلك، وعمر يدري أنه يسبهم؛ لأنه يعرف الذم.
يا أمير المؤمنين إنه يقول:
ولا يردون الماء إلا عشية إذا صدر الوراد عن كل منهل
يقول: من الخوف والجبن لا يزاحمون على الماء إلا بعد صلاة المغرب، قال عمر: ذلك أبعد للزحام.
وعمر يمررها كلها لكنه يأتي بأمور لا تسمح، وفي الأخير قال للزبرقان: ماذا قال فيك الحطيئة؟
قال: يقول فيّ:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
قال عمر: ما سبك! يقول: اجلس في بيتك فإنك مطعوم ومكسي، قال: أنا خادم، قال: لا.
قال: ويقول:
أزمعت يأساً مبيناً من نوالكم ولا يرى طارق للحر كاليأس
قال: صدق ما سبك! قال: اسأل حسان، وحسان هو طبيب المهنة، "أعطوا القوس باريها" فأتى حسان فجلس، فذكر عمر له البيت، فقال حسان: ما سبه وإنما سلح عليه!
فقال: عمر: أنزلوا الحطيئة في بئر، فأنزلوه فيها، فأخذ يصيح كالثعلب من آخر البئر، وألقى قصيدة أبكت عمر رضي الله عنه وأرضاه، يقول:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
يقول: يا أمير المؤمنين! يا عمر بن الخطاب! أجلستني في قعر البئر وأطفالي في الصحراء، بماذا تلقى الله، وتقول لله عز وجل في أطفالي.
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ضيعت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر
إلى آخر القصيدة فبكى عمر وأطلقه، وشرى أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، قال: حرام عليك أن تهجو أحداً، فلما مات عمر كان يريد أن يهجو؛ فيتذكر عهد عمر فيسكت حتى مات، فما هجا أحداً بفضل الله.
المقصود: أن هذا الرجل سلبت إبله فذهب إلى قبيلته فاستنجد القبيلة، فقالوا: لا ننصرك، سبحان الله! فألقى قصيدة رائعة يقول فيهم:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
يقول: لو كنت من القبيلة تلك، ما أخذوا إبلي؛ ولكن أنا منكم، أنتم فسلة يا ضعاف إلى أن يقول:
قوم إذا الشر أبدى ناجديه لهم هبوا إليه زرافات ووحداناً
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً
انظر إلى الشجاعة! لا يقول: إذا أتى رجل يصيح فيهم: يا قومنا أجيبوا داعي الله! تعالوا فقد أحيط بي، فيقولون: أعطنا بينة، هل يشهد معك أربعة أنهم أخذوا إبلك الشاهد أن "لو" تأتي: للتمني وتأتي في مواضع أخرى.
أما "لولا" التي يقول فيها ابن حجر: هي أداة امتناع لوجود، كما في الحديث: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} ما معنى هذا؟
يقول عليه الصلاة والسلام: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} وجدت المشقة فامتنع الأمر.
قال عطاء: فخرج عمر رضي الله عنه وأرضاه، والرسول عليه الصلاة والسلام كان منشغلاً في بيته -غالباً- وقت صلاة العشاء، فلما انصرف الرسول صلى الله عليه وسلم أتى النساء والصبيان، لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا أهل مهنة، فأبطأ عليهم صلى الله عليه وسلم وهم أهل أشغال في النهار، فنام كثير منهم، فأتى عمر وكان رضي الله عنه جريئاً، فقال: يا رسول الله! يا رسول الله! يا رسول الله! نام النساء والصبيان، فخرج صلى الله عليه وسلم تقطر ظفائره بالماء، وفي لفظ: أنه وضع خاتمه على ناصيته الشريفة يزيل الماء، وقال: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهو صلى الله عليه وسلم لا يريد المشقة، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] فهو عليه الصلاة والسلام يتجنب كل ما فيه مشقة، ويكره التنطع والتعمق والتشديد على الناس.
قام الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان يُصلي من الليل، فوجد قوماً يُصلَّون بصلاته صلى الله عليه وسلم، فترك الصلاة في الليلة الرابعة، قالوا: لماذا يا رسول الله؟ قال: خشيت أن تكتب عليكم.
وفي الحديث: {كان يترك كثيراً من العمل خشية أن يكتب على الأمة} عليه أفضل الصلاة والسلام.
كان يقوم في الصلاة يريد إطالتها فيسمع بكاء الطفل من آخر المسجد، فيخفف الصلاة لما يعلم من وجد أمه عليه.
لكن كيف يرقد النساء والصبيان ثم يقومون للصلاة ولم يتوضئوا؟
قال أهل العلم: يحمل الحديث على محملين:
الأول: أنهم نعسوا ولم يرقدوا، والنعاس يسمى رقاداً، أي: أول الرقاد يسمى نعاساً ولم يكن متمكناً.
والأمر الثاني: أن في الحديث أمراً مسكوتاً عنه، ومن يخبرنا أنهم توضئوا أم لا؟ وإلا فالحديث على ظاهره -إن شاء الله- على قول من قال: إن النوم لاينقض الوضوء.
عن عبد الرحمن وهو الأعرج قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك} وفي رواية البخاري {مع كل وضوء} وهذا الأمر يقتضي الحث والندب على السواك، ويعلم أن السواك ليس بواجب على الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم} فانتفى الأمر والوجوب لما فيه المشقة.