قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] هذا هو الميثاق الغليظ، أخذه الله على الناس وهم في أصلاب أبيهم آدم، فدلهم على التوحيد، من هو ربكم؟ من هو إلهكم؟ من القادر الذي يخلقكم؟ من الذي يستحق العبادة؟
تحمل أم الإنسان بالإنسان، فإذا الله يتحدث عنه وهو في بطن أمه، فتضعه على الأرض لا ضاحكاً أو صامتاً أو ساكتاً أو نائماً أو مستيقظاً، إنما تضعه باكياً، ولم نسمع في تاريخ الإنسان أن رجلاً أو أنثى ولدوا وهم ساكتون، إلا عيسى بن مريم فما بكى، أما نحن جميعاً فقد بكينا يوم أن أتت بنا أمهاتنا، قال بعض الفلاسفة: بكى الإنسان لأنه خرج من السعة إلى الضيق.
وقال آخر: بكى الإنسان من هول الابتلاء، ومن عظم المشقة التي سوف يجدها من الضيق والهم والحزن.
وقال آخر: بكى الإنسان لأنه سوف يرى التكاليف أمام عينه والله أعلم، وقد قال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً} [النحل:78].
كان أبكماً أصم أعمى، لا يأكل ولا يشرب ولا ينطق، فتولاه الله، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون.
ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح: {كل مولود يولد على الفطرة} ما هي الفطرة؟ أيولد مغنياً مطبلاً؟! أيولد ماجناً ممثلاً؟! أيولد مسرحياً معربداً؟! أيولد كروياً لاهياً؟! أيولد وبيده الكأس في الليالي الحمراء؟! لا.
بل يولد على لا إله إلا الله، يقع رأسه على لا إله إلا الله ومحمد رسول الله، يقول سبحانه: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30].
لكن من بدل خلق الله؟ إنهم العملاء، إنهم الخونة، إنهم أعداء الإسلام، بدلوا الإنسان من إنسان إلى كلب، ومن مؤمن إلى خنزير، ومن عبد صالح إلى بهيمة: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179] كقلوب الحيوانات تماماً، يحفظون ويدرسون ويقرءون كل شيء إلا الدين، ويفهمون كل شيء إلا الإسلام، ويعرفون كل شيء إلا القرآن والسنة، قال تعالى: {وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:179] ويؤذن لهذا الطفل كما أذن عليه الصلاة والسلام، في أذن الحسن أول ما أتت به فاطمة الزهراء رضي الله عنها، لماذا؟ لينشأ على التوحيد والإيمان، أخذ أذنه الرقيقة الضعيفة فاقترب منها عليه الصلاة والسلام وقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر حتى أكمل الأذان ليقع الأذان في قلبه، لينشأ عبداً مصلياً وعابداً ذاكراً.
لكن لما أتت التربية المعكوسة، وولد الابن على الموسيقى الإيطالية، أصبح لا يعرف إلا المجلة الخليعة، والسهرة الماجنة، ينشأ ويشب وهو يحفظ من الأغنيات العشرات، ولا يحفظ من الآيات البينات شيئاً.
ثم يقول الله للإنسان: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6].
من الذي خدعك؟ من هذه الطغمة الفاسدة والجلساء السيئون الذين حرموك من منهج الله؟ من المسئول عنك؟
{يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] لكنه يوم شب وقوي، وكبر كاهله، ونسي القرآن، أصبح معربداً لا يعرف الله.