النبي صلى الله عليه وسلم يهاجر إلى المدينة

مضى صلى الله عليه وسلم في الهجرة ووصل المدينة، وعند الوصول استقبله الأنصار، حتى إنهم كانوا يخرجون كل يوم -رضوان الله عليهم- من الحفاوة والإكرام والتبجيل لرسول الله- يخرجون كل يوم في الظهيرة؛ فيقفون حتى تشتد حرارة الشمس، ثم يعودون إلى المدينة لينتظروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي يوم من الأيام خرجوا، فلما قربت الظهيرة، واشتدت عليهم حرارة الشمس رجعوا وهم ما يقارب الخمسمائة -كما في السيرة- رجعوا بسيوفهم إلى المدينة، فخرج يهودي على رأس نخلة، فرأى راكبين وعرف أنهما: الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فرفع سيفه حسداً وغيظاً وحقداً، قال: يا بني خولة! -أي: الأنصار، جدتهم خولة - هذا حظكم جاء -أي: نصيبكم- يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال أنس: [[فو الله ما أنسى انتشاب الأنصار لسيوفهم وهروعهم وخروجهم لاستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم]] وفي خروجهم كانت الجواري والأطفال ينشدون في سكك المدينة.

طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة مرحباً يا خير داع

قال أنس: [[يومان في حياتي والله لا أنساهما أبداً: يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، والله لقد رأيت الأنصار يبكون من الفرح]] ولذلك يقول الشاعر العربي الأول:

طفح السرور عليّ حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني

فإن السرور إذا طفح وزاد مقداره في قلب الإنسان أبكاه.

واليوم الثاني يقول أنس رضي الله عنه: [[يوم أن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم]] هذان اليومان لا ينساهما أنس مدى الحياة.

دخل صلى الله عليه وسلم وكان استقباله في دار عمرو بن الحارث من العوالي تجاه مكة، نزل صلى الله عليه وسلم هناك ثم ارتحل واستقبله الأنصار عند دورهم ومنازلهم، وكانت القرى متبعثرة في المدينة، فكان كلما مر بقرية سلَّم عليهم صلى الله عليه وسلم ثم تبسم لهم، وكان يأخذون خطام الناقة يريدون أن يونيخوها في دارهم ليكون لهم شرف ومنزلة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يتبسم ويدعو لهم بالخير، ويقول: {دعوها فإنها مأمورة} الناقة مأمورة من الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن تنيخ إلا في المكان الذي كتبه الله وقدَّره وقضاه، وكانت ترتحل والناس يُشاهدونها، والرسول صلى الله عليه وسلم يريد من ذلك أن ينزل عند أخواله من بني النجار، ليكرمهم بالنزول، وبني النجار هم أهل المسجد الآن -مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم- وهم خير دور الأنصار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو حارثة، ثم بنو ساعدة، هؤلاء دور الأنصار، وهي ثمان دور، لكن عدَّ منها صلى الله عليه وسلم أربعة، ولما وصلت إلى دار بني النجار، قامت الجواري -البنيات الصغيرات- يقلن:

نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار

وهذه الأبيات أوردها ابن حجر في غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يتَّبسم وهو يرى الأطفال ويدعو لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015