ومنها: قتلهم النفس في قصة البقرة، حيث كان هناك إخوة وكان لهم عم غني فأتوا إلى عمهم، فذبحوه وأخذوا تركته، وخافوا أن يُكتَشف أنهم قتلوا عمهم، فأتوا إلى موسى فقالوا: إن عمنا قتل البارحة، ولا ندري من قتله، وأخذوا يتباكون كتباكي إخوة يوسف عند يعقوب، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن خذوا بقرة، فإذا ذبحتموها؛ فخذوا شيئاً من رجلها فاضربوا به الميت، فسوف يحييه الله وسوف يتكلم بمن قتله، هذا هو التفسير الصحيح للقرآن بهذه الآيات: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة:67] انظر إلى البلادة في أذهانهم وإلى الغباوة، ليتهم أخذوا أي بقرة وذبحوها وانتهت المسألة والمشكلة، لكن ترسخ الإلحاد في أذهانهم والمكر والخداع، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:67 - 68]-ليست بكبيرة هرمة ولا بصغيرة بل هي وسط، أراد الله بذلك أن يعجزهم، لأنهم تمادوا في السؤال، وقد كان يكفيهم أي بقرة غير مشروطة بوصف، فطلب من الوسط، والوسط دائماً صعب، ولذلك جعل الله الأمة وسطاً، وأكبر ما يشكلك في حياتك أن تكون وسطاً، ولا يستطيع إلا القلة من الناس أن يكونوا وسطاً: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:68 - 69] انظر التحفظ والورع، وإلا فما دخلهم باللون فقال: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] واللون الأصفر في البقرة نادر جداً، لو قال: سوداء؛ كانت أسهل، ولو قال: بيضاء؛ كانت أسهل، لكن صفراء، ومع ذلك: فاقع لونها، وليس فيها لون آخر: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:70] ثالث مرة، بعد الصفراء فاقع لونها، {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:70].
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ} [البقرة:71] يعني: ليست بعاملة أي فهي مرتاحة دائماً في البيت: {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا} [البقرة:71] أي: قيل ليس فيها لون، فهي صفراء ليس فيها بقعة سوداء ولا بقعة بيضاء، فاقع لونها تسر الناظرين {قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:71].
أتدرون أين وجدوا البقرة؟ أورد ابن كثير روايات وهي من الإسرائيليات ونحن نتخذ منها مواقف ثلاثة دائماً:
أما ما أيدها كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم قبلناها ووضعناها على العين والرأس، وأما ما خالف كتابنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لم نلتفت إليها، وأما ما لم يصدق ولم يخالف رويناه للناس: {وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج} {وإذا حدثكم بنو إسرائيل فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم}.
قال ابن كثير وهو يروي قصتهم: بحثوا في القرى فما وجدوها، بحثوا في المدن فما وجدوها، بحثوا في البوادي فما وجدوها، سمعوا أنها عند عجوز في ناحية من نواحي البلدة، فذهبوا إليها فأضعفت عليهم الثمن حين علمت أنهم لا يزكو لهم غيرها، قالوا: يا خالة يا عمة نريد البقرة، هذا الوصف الذي قال لنا موسى عليه السلام انطبق على بقرتك، قالت: من أين؟ بقرتي فيها كذا وكذا وتفعل كذا وكذا، وهي من ذرية ومن سلالة كذا وكذا، فقالوا: خذي ما شئت من المال، قالت: لا أرضى إلا إذا ذبحتموها تملئوا جلدها لي ذهباً، فوافقوا على ذلك، فجمعوا حليهم وأموالهم ثم أخذوا البقرة فذبحوها، فسلخوا جلدها ثم ملئوه ذهباً وأعطوه العجوز.
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار
فأخذوا رجل البقرة قال تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:73].
فأخذوا شيئاً من الرِجْل فضربوا به الميت فقام، قال: قتلني هؤلاء الذين أتوا يشتكون، فأخذهم السلطان وسحبهم إليه، ثم عاد هذا بحفظ الله ورعايته نائماً ميتاً.
فهذه هي قصة البقرة وقصة إفكهم فيها، فإذا سمعت بذكر البقرة فهذا ملخص تعنتهم وجدالهم وكثرة مسائلهم فيما لا يعنيهم.