فنحن الآن أمة عمارات وفلل، وأمة شقق ومفروشات، الإعلانات التي في الشوارع كلها إما عن مطعوم أو مشروب أو ملبوس أو مشموم، إعلان العطورات يأخذ ثلاث صفحات من الصحف اليومية، غير إعلانات الأسمنت، وإعلانات من أضاع مالاً، ومن سقطت عليه قطة فماتت، وغيرها من هذه الإعلانات المبروزة، حتى أصبحت بالكمبيوتر تلمع تلميعاً تأخذ البصر، يكاد ضوؤها يذهب بالأبصار، كلها إما في مطعوم أو مشروب أو ملبوس.
ذهب أحد الدعاة إلى ألمانيا إلى مدينة سكومونيس، فوجد إعلاناً عن إطارات يوكوهاما، فاستأجر لوحة بجانبها وكان فقيراً أول مرة نزل بالمدينة، وكتب: أنت لا تعرف الإسلام، إن كنت تريد معرفة الإسلام فاتصل بتلفون كذا وكذا، ونزل بالمدينة وهو داعية مشهور، وبعد سنة كان عدد من أسلم على يديه مائتين وخمسين ألفاً.
فأين الدعايات عن الإسلام؟ أين الدعايات عن الشريط الإسلامي والكتاب الإسلامي؟ أمة تؤمن بالإعلانات، وأمة تعيش العمارات، وكأن المستقبل عند كثير من الشباب أنه إذا تخرّج من الجامعة أن يتزوج وأن يشتري سيارة وأن يبني فلة، ويحصل على وظيفة، فإذا حصل على ذلك كأنه خاض بدراً وأحداً وحطين وعين جالوت.
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يربِ الصحابة على هذا، يقولون: نريد الدنيا، قال: لا.
نريد الجنة، هل قال لأحد من الصحابة: نوليك منصباً وتسلم، قال له الأنصار: ماذا لنا إذا نصرناك؟ قال: الجنة، لأنه ليس عنده شيء من حطام الدنيا، عنده خبز الشعير، وعنده بيوت من طين، لكن عنده صلى الله عليه وسلم جراحات في سبيل الله، ونسف للرءوس، فإن أردتم فالجنة، ولذلك أكثر الصحابة الذين قدموا التضحيات لم يظفروا بشيء من حدائق ومفروشات الدنيا، وذهبوا إلى الله، وأتى يزيد بن الوليد في القرن الأول، وأتى فلان وفلان وأخذوا المفروشات والمطعومات وسكنوا القصور، فجعلوا هوايات الناس واهتماماتهم إلى الدنيا، وصرفهم عن منهج الله، وهو أعظم ما يعطلهم عن السير إلى الله عز وجل، حتى إن بعض الشباب حريص أن يأخذ مع كل وارد وكل موديل سيارة، وتجد مجموعة من الشباب يتحدثون عن السيارات، ميزة الياباني على الأمريكي كذا، والفرنسي على الياباني كذا، أهذه أمة؟! أهذا جيل سوف يكوّن مستقبلاً؟!
متى تجد من يتحدث عن ابن رواحة وسعد بن معاذ وابن عباس وأبي بن كعب وفي الآيات، وفي نشر الدين، وفي رفع لا إله إلا الله؟!