Q يقول السائل: إذا أردتُ أن أكون شاعراً في الإسلام، فماذا أفعل؟
صلى الله عليه وسلم الشعر لا يأتي بالقوة وبالعصا، ولكن بالموهبة، فمن كانت عنده موهبة فلينمها، ومن كان غير ذلك فليُرح نفسه؛ لأن كثيراً من أهل العلم ومن السلف الصالح ومن الصحابة لم يكونوا شعراء، وإنما بذلوا بما أعطاهم الله عزَّ وجلَّ، ولذلك بعض العلماء يرى أن الشعر يزري بالعلماء وطلبة العلم، حتى يقول الشافعي:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
فبعضهم يرى أنه خفة وطيش وأنه يزري؛ لكن الصحيح أنه إذا اقتُصِد فيه ووُجِّه للدعوة الإسلامية وخدمة العلم، فهو -إن شاء الله- في خير، أما إذا أردت أن تكون شاعراً فاتبع الآتي:
الأمر الأول: إن كانت عندك موهبة فنَمِّها بالاطلاع وبكثرة محفوظ الشعر، يقولون: أن تحفظ آلاف الأبيات من الشعر، وخاصة الشعراء الذين أجادوا كـ المتنبي وأبي تمام وجرير والبحتري ومن كان في طبقتهم.
الأمر الثاني: أن تقرض الشعر وأن تقلل من قرضه، حتى تعتمد على الكيف لا الكم؛ لأن بعض الشباب إذا بدءوا في الشعر خصصوا كل يوم عشر دقائق فقط، فتأتي مهزوزة، فهو لا قرأ في الأدب ولا اطلع، وإنما يُشْعِر دائماً بدون قواعد، وبعد سنوات ينتهي، فالمقصد أن تطالع كتب الأدب كثيراً، ولا يشغلك الشعر عن العلم؛ لكن يكون له أوقات، وذُكر في الأدب: أن شعراء اجتمعوا عند نهر، فقال أحدهم: ما رأيكم لو أن كل واحد منا يصنع بيتاً في هذا المقام، وكان معهم رجل ليس بشاعر، فنَظَم كلٌّ منهم بيتاً وأَلَحُّوا على هذا الذي ليس بشاعر أن يأتي ببيت، فلما ألَحُّوا قال:
كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولَهم ماءُ
انظر ما أحسن هذا الأسلوب، والبيان، والبديع!! فبعض شعر الناس من هذا القبيل، حتى ذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد أن بعضهم يقول:
الليلُ ليلٌ والنهارُ نهارُ والأرض فيها الماءُ والأشجارُ
ظاهر البيت بيت، ليس مكسوراً، هو بيت شعر؛ لكنه لا يحمل أي معنى جديد.
فالشعر يعتمد على أربعة أمور:
أولها: البحر: وبحور شعر العرب ستة عشر بحراًً، وزاد الأخفش بحراً فصارت سبعة عشر بحراً.
ثانيها: القافية: أن يكون على قافية، فلا يأتي المرء بالراء ثم ينتقل إلى الشين ثم إلى الطاء ثم إلى الخاء ثم إلى الجيم، فهذا لعب.
ثالثها: الأسلوب: فإن النَّظْم شيء والشعر شيء آخر، وابن مالك عندما يقول:
قال محمد هو ابن مالك أحمد ربي الله خيرَ مالكِ
ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفِد كـ (عند زيد نمرة)
فإنما هو نَظْمٌ وليس بشعر، لكن الشعر مثل قول المتنبي:
وقفتَ وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك ضحَّاك وثغرك باسمُ
فهذا الأسلوب لا بد منه.
رابعها: الخيال: فلا بد أن يكون عند الشاعر خيال يتخيل الأمور، فما يقول: لا الشمس شمس، ولا المسجد مسجد، ولا الميكرفون ميكرفون، هذه أمور مسلَّمة؛ لكن يأتي بصورة بديعة، مثل قول بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبُه
أو كقول امرئ القيس:
مُكِرٌّ مُفِرٌّ مُقْبِلٌ مُدْبِرٌ معاً كجلمود صخر حَطَّه السيلُ مِن عَلِ
إلى غير تلك التشبيهات، فهذا الخيال لا بد منه.
ولذلك تجد الآن شعراً في الساحة، ليس فيه خيال ولا أسلوب ولا روي ولا قافية، وإنما هو كلام عادي، وإذا أراد أن يُسَمَّى شاعراً أتى بأمور إذا سألتَه هو عن معانيها ما استطاع أن يجيبك، يقول: هذه رموز ومصطلحات لا يدركها الناس العاديون، وربما كان مستواه أضعف من مستواك، حتى يجعلك تقول: بارك الله فيك، فتح الله عليك، أنا ما أردت هذه القصيدة؛ لأنه يقول:
في وهج الليل سرحتُ
ونمتُ في جنح الضحى
ثم سقط عليَّ الشاطئ بلمعانه
وإذا بريق الشمس فوق حاجبي
فماذا أفعل؟
فإذا قلتَ: بارك الله فيك، استنبط لنا من هذه الكنوز ومن هذه البضاعة، قال: لا.
أنت مستواك ضعيف، عقلك ما بلغ إلى هذا الرقي العلمي.
فنقول له، جزاه الله خيراً: يبقى هو وبضاعته وسوف يثبت المتنبي وأبو تمام وجرير عنه أنه شاعر فحل!