أما بعد:
فإن هم الداعية إصلاح الناس وتعبيد البشر لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، فليس همه المال ولا الجمال، ولا الجاه ولا المنصب؛ لأنه مكلف بمهمة محددة: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:3].
وعنده رسالة طابعها: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} [الذاريات:57] وعنوانها: {قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا} يوزعها في كل قلب: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] الداعية حبيبه من أحب الله، ووليه من تولى الله، وصديقه من احترم الشرع، وعدوه من عادى الإسلام، ليس عند الداعية وقت للعداوات الشخصية، ولا فراغ لتوافه الأمور، فكل دقيقة من عمره حسنات، وكل ثانية من وقته قربات.
أعد الليالي ليلة بعد ليلة وقد عشت دهراً لا أعد اللياليا
فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا
الداعية ينهمر بالآيات والأبيات، والسير والعبر، والقصص والأخبار، والفوائد والقصائد، والشوارد والفرائد، يدعو بها كلها إلى الله الواحد الأحد، ليعبد الله وحده لا إله إلا هو، مرجع الداعية قلبه النابض، ومصدره نفسه المشفقة، وحبره دمه، ومادته دموعه، وورقه حصير الخير.
الداعية لا ينسى دعوته، وهل ينسى المريض مرضه، والجائع جوعه، والمحموم حماه، وكيف يترك الداعية دعوته، وهل يترك الرسام رشيته، والنجار فأسه، والفلاح مسحاته، والكاتب قلمه.
أما واعدتني يا قلب أني إذا ما تبت عن ليلى تتوب
فهأنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذكرت تذوب
ولا حرج للداعية أن يضحي بنفسه في سبيل مولاه، بل هو الحق، فليبع وقته ودمه ودموعه، وكتبه وأوراقه، وليله، ونهاره: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79].
لكل شيء إذا ما تم نقصان
إلا الإيمان في قلب حامله.
لكل امرئ من دهره ما تعودا وعادة أهل الحق يا صاحبي الهدى
ما مضى فات، والمؤمل غيب إلا عند الداعية، فالماضي عنده ما فات ولا مات: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] والمؤمل عنده حاصل لا محالة، قادم بلا شك: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} [التكاثر:7].
نشيد اللاهين:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
ونشيد الدعاة:
قفا نبك من ذكرى الكتاب المنزل
أغنية الغافلين:
أخبروها إذا أتيتم حماها أنني ذبت في الغرام فداها
وملحمة الصالحين:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ