أتى مجرمٌ من يهود المدينة ووصل مكة -ومحمدٌ عليه الصلاة والسلام في المدينة - ليؤدي أظلم شهادة في التاريخ، فاستقبله الوثنيون المشركون الذين أخرجوا محمداً عليه الصلاة والسلام من مكة، الذين طاردوه، وشردوه، وآذوه، وسبوه، وشتموه، وقاتلوه، وحاربوه، استقبل المجرم كعب بن الأشرف، فلما رأوه ألبسوه برداً -ألبسه الله النار والخزي- ثم استقبله كفار مكة في مجلسٍ كبيرٍ حاشد ليؤدي أظلم وأطغى وأبغى شهادة في التاريخ، قالوا: يا كعب! عندك علم التوراة، أنت عندك علم ليس عندنا -فهم أميون عرب لا يقرءون وليس عندهم كتب- نسألك يا كعب! بالذي شق البحر لموسى وأنجاه من فرعون هل أرسل الله محمداً رسولاً؟ هذا السؤال الأول.
السؤال الثاني: نسألك يا كعب بن الأشرف! بالذي شق البحر لموسى ونجاه من فرعون هل نحن أهدى سبيلاً أم محمد؟
اسمع الجواب، اسمع الخونة أهل الغدر والخيانة ونقض المواثيق.
قال: ما دام أنكم سألتموني بالتوراة وبالذي شق البحر لموسى وبالذي أنجى موسى من فرعون -يعني: متحرج بلغت عنده الأمانة والذمة والورع المنتهى- ما أنزل الله على بشرٍ من شيء، قال: حتى موسى ما أتاه وحي، ولا غيره ولا سواه ولا قبله ولا بعده.
وأما أنتم فأشهد أنكم أهدى من محمد سبيلاً.
فأتى القرآن ليرد عليه، لا مفاوضات، لا حوار، لا جدل منطقي، لا استدراج، لا نتيجة لا مقدمة لا خاتمة، قال سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] أبو جهل الوثني النجس النذل المشرك؛ أهدى من محمد الطاهر العادل البار؟!
محمد المعصوم، المنزل عليه جبريل، المذكور في التوراة والإنجيل، صاحب الغرة والتحجيل أزكى منه أبو جهل؟! يا وثن يا ملعون! اسمع رد القرآن قال: {وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً} [النساء:50] لا مفاوضات يقول سبحانه: لأنه لم يستدرجه في جدال، ولا برهان، ولا دليل، قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ} [النساء:52] أنت ملعون أصلاً، لا تستحق أن يسمع منك، ولا تفاوض، ولا يقال لك: أين التوراة؟ أين الإنجيل؟ يكفي أنك ملعون؛ لأنك قدمت شهادة آثمة يدوسها التاريخ بقدمه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:52].
هؤلاء هم أبناء أولئك السلالة، والفصيلة، والنوع، قتلة الأنبياء الذين سبوا الواحد الأحد.