الآن ينتقل إلى السلوك والأدب، قال تعالى: {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18] لا تصعر خدك للناس، والصعر داء يصيب الجمل في عنقه فيصبح مصعوراً دائماً يمشي كذا، ولذلك المتكبر تجده كالطاوس، يقولون: أحمق الناس المتكبر، فهو يرى الناس لا شيء، وهو أتفه الناس لديهم، فهو يتعالى على الناس ولكن الله يقول: اخسأ لن تعدو قدرك، ومن تواضع لله رفعه، ومن تكبر على الله وضعه، وجزاء المتكبر أن يحشر يوم القيامة في صورة الذر؛ يطأه الناس بأقدامهم يوم العرض الأكبر، فهو سمين بدين كبير لكن يأتي في صورة الذرة؛ لأنه تضخم في الدنيا فصغره الله وحجمه يوم العرض الأكبر.
من صفات المتكبرين أنه يحب أن يتحدث مع الناس دائماً في الطريق، فلا يحب أن يمشي وحده، ودائماً تجده يتكلم ولو كان كلاماً لا نفع فيه، لكن يحدث الذي عن يمينه، والذي عن يساره ويشير بيده.
ومنها كذلك أنه لا يجود بالسلام، بل دائماً ينتظر منك أن تسلم عليه؛ لأنه يرى نفسه في رتبة عالية، كيف أسلم على هؤلاء الجنود وأنا أعلى مستوى؟! فتجده لا يبذل السلام، وتجده إذا دخلت في مكتبه يعطيك رءوس أصابعه، كأنه يقطر عليك السلام بالقطارة، ولا يمزح إلا مع مثله أو أعلى منه؛ لأنه يقول: إذا مزحت قلَّت هيبتي، ومحمد صلى الله عليه وسلم مازح الأطفال، ومازح العجائز عليه الصلاة والسلام، وما زاده الله إلا رفعة.
ومن صفات المتكبر: أنه غضبان دائماً بدون شيء، فتجده إذا خرج من بيته كأن زوجته ضربته على وجهه، فدائماً غضبان بدون سبب، لكن غضب الكبر، يقول:
وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار
هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري
تروى وتشبع من سيماء طلعتهم بوصفهم ذكروك الواحد الباري
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
وهؤلاء أولياء الله وأحباب الله.
ومن صفات المتكبر أنه يستخدم دائماً: أنا وفعلت وقلت وراجعت ودخلت وخرجت، ويترجم لنفسه في المجالس دائماً، فيكون أمقت الناس عند الله عز وجل وأبعدهم من الله.
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [لقمان:18] فالخطر بالأيادي، ونفخ الصدر، والصعر بالوجه كلها من علامة المتكبرين.
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18 - 19] يعني: امش قصداً إلى حاجتك وبتؤدة وسكينة {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً} [الفرقان:63].
ثم قال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان:19] لا ترفع صوتك فوق اللازم، فهذا هو أدب القرآن، فيتدخل القرآن حتى في قضية تنظيم الصوت، لأن الواثق من نفسه يتكلم بهدوء، والمسلم عاقل رشيد في ألفاظه، تجد الآن أبعد الناس عن الطاعة والمسجد ليس عندهم عقول، فينادي زميله في الشارع فتسمعه من وراء كيلو مترات عدة، أو تراه يصفر لزميله تصفيراً، ولكن لو كان ملتزماً لما عمل ذلك.
وتجد بعضهم يلعن زميله قبل أن يلقاه وقبل أن يسلم عليه، ويصيح صياحاً، وقد قال تعالى: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19].
يقول: يا بني! لا تفعل هذه الأفعال، يا بني! حياة الإيمان أعظم، يا بني! المؤمن منظم في الحياة، يا بني! هناك آداب لا بد أن تسلكها.
فلا إله إلا الله ما أعظمها من وصايا!
بدأ بالعقيدة والعبادة وبر الوالدين ثم العبادة ثم الأخلاق والسلوك، فهل لنا أن نعود من هنا فنتدبر هذه الآيات، ونعيد قراءتها في التفسير، كـ تفسير ابن كثير، ونجعلها قضيتنا الكبرى حتى نطبقها في واقعنا وحياتنا لنعيش حياة السعادة، وحياة الإيمان: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:9 - 10].
فالحمد لله أولاً وآخراً، وسراً وجهراً، والحمد لله ليلاً ونهارا، ً الحمد لله الذي جمعنا بكم، والحمد لله الذي جعلنا نتكلم عن الإيمان، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.