صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف

كان أحد الصالحين -ترجم له الذهبي - يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر قال: فيضربونه في بغداد حتى يغمى عليه، فيرشونه بالماء فيستفيق فيقول: وعزتك وجلالك لآمرن بالمعروف وأنهى عن المنكر، نعم.

محمد صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر رموه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين ولسان حاله يقول:

إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

إن كان هذا يرضيك فأهلاً وسهلاً بالجرح، وأهلاً وسهلاً بالضرب، حتى لما جرحت إصبعه عليه الصلاة والسلام قال:

هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

يقول: الأمر سهل في سبيل الله، وفي طاعة الله وفي مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقصص الآمرين بالمعروف كثير منهم النابلسي عالم من علماء المسلمين، محدث كبير ترجم له أهل العلم، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، كان إذا وقف في الصلاة فكأنه سارية، كان يخرج ومعه سكين في جيبه، فإذا رأى جرار الخمر شققها، لكن هذا إذا كان التغير باليد لمصلحة أعظم، أما إذا علمت أنك لو غيرت بيدك؛ كانت المفسدة أعظم فلا يجوز لك أن تغير بيدك؛ لأنك سوف تجر مفسدة أعظم من ذلك.

وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان} فهو على مستويات بقدر المصلحة.

والتغيير باليد مهمة السلطة التنفيذية.

فكان هذا العالم - النابلسي - يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان يؤدب ويحلق رءوس المبتدعة من غلاة الصوفية الذين يخالفون السنة، أتى مرة في مجلس الحديث فسأله سائل عن الحكام الفاطميين، والحكام الفاطميين أكثرهم زنادقة، كـ الحاكم بأمر الله الذي كان زنديقاً ملحداً، فكان إذا خرج إلى السوق سجد له الناس، فقالوا للنابلسي: ماذا ترى في الحكام الفاطميين؟ وهو في القاهرة لأن النابلسي كان في القاهرة، والحاكم موجود في القاهرة وهو يدرس الحديث في المسجد، قال النابلسي: من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم واحد، وليرم الفاطميين بتسعة أسهم، وبلغت السلطان الكلمة بعد صلاة العشاء مباشرة بعد الدرس، وأرسل إليه الجنود، فقالوا: قم يريدك السلطان، فعرف أنه من أجل الكلمة فتبسم وقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، معناها: أنني بعت نفسي من قبل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:111].

ووصل إلى السلطان، وكانت الكلمة قد بلغت السلطان خطأ، قال النابلسي: إن من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم وليرم الفاطميين بتسعة، فبلغت السلطان: إن من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بتسعة وليرم الفاطميين بسهم واحد، وهذه أسهل من الأولى، فقال له الحاكم بأمر الله -عليه غضب الله فهو ملحد زنديق-: يا نابلسي! قال: نعم.

قال: أنت الذي يقول قبل العشاء في مجلس الدرس: من كان عنده عشرة أسهم فليرمنا بسهم واحد وليرم النصارى بتسعة أسهم، قال: لا.

الفتوى خطأ، قال: كيف؟ قال: قلت: من كان عنده عشرة أسهم فليرمكم بتسعة وليرمِ النصارى بسهم.

فسلط يهودياً عليه وقال له: اسلخ جلده كما تسلخ الشاة قبل أن تذبحه، فنكسه وعلقه بأرجله في الشمس.

ومما يروى أنه وُجد من يظلله كرامة من كرامات الأولياء.

ولما بلغ اليهودي سلخ جلده إلى القلب رحمه اليهودي! فطعنه بالسكين في قلبه فمات، وكان يتبسم وهو يسبح، يقولون: كان منكوساً ودمه يقطر وهو يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وهذا من أعظم ما يكون عند مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو واجب على كل مسلم ما دام حياً في عقله وفي إدراكه أن يأمر بحسب استطاعته: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015