قال: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:13] أي: يوصيه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] أولاً: قال: يا بني! وهذا أدب تربوي، وعليك أن تعتبر بهذا الكلام؛ أنك إذا أردت أن تدعو الناس فعليك أن تلين لهم في الخطاب، وأن تأخذهم بالمحبة وأن تأخذهم بسهولة من اللفظ ويسر من الكلام، يا بني! هذه قضية تربوية قال: يا بني! يا حبيب قلبي! يا أقرب الناس إلى روحي! لا تشرك بالله.
والشرك له صور متعددة، فليس هو عبادة الصنم والحجر والوثن فقط، بل له صور، وبعض العلماء يقول: من توله بلعبة حتى قدمها على حُبِّ الله ووالى من أجلها وعادى من أجلها؛ فقد أشرك بها لقوله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23].
وأحد المفكرين كذلك يقول: الكرة تعبد من دون الله.
هذه الكرة التي يلعب بها، بلغ حال بعضهم أن عبدها من دون الله، فترك الصلاة من أجلها، وأخر الصلاة من أجلها، وبعضهم يجمع من أجلها الصلاة على المدرجات الظهر والعصر، فأفتى نفسه من أجل ألا تفوته المباراة، وبعضهم إذا -وقد عرض في سؤال وأظنه معتوهاً أو أحمقاً- حان الأذان، وخاف أن يذهب إلى المسجد فيفوته الشوط والمباراة؛ فرش غترته أمام شاشة التلفزيون وقام يصلي وهو ينظر إلى المباراة! وهذا حدث، وكان يركع سريعاً ويسجد سريعاً؛ حتى يجمع بين الحسنيين، وهما حسنيين كوجهه في الحسن وكعقله ورشده، فأي حب بعد هذا الحب؟!
بل بلغ بهم الولاء والبراء حتى يقول بعضهم: أنا هلالي حتى الموت، أو نصراوي حتى الموت، وهي أقرب إلى النصراني، سبحان الله! أحفاد خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب هلاليون حتى الموت! وأنا لا أهاجم الأندية لذاتها، فأنا عضو شرف في نادي الهلال، لكن يوم يسجد نادي الهلال لله، ويوم يدعو أصحابه إلى مبادئ الله، ويوم تتجه النوادي إلى الله وهم إخواننا وأبناء عمومتنا؛ لكن حينما نلتقي نحن وإياهم تحت مظلة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فإن صلوا وعرفوا الله، وتوضئوا وقرءوا القرآن؛ فنحن وإياهم سواء، ورسالتنا واحدة وهم دعاة.
يقولون: أن رجلاً كان هلالياً وامرأته كانت نصراوية، فتبارى الفريقان فانتصر أحدهما على الآخر، فاحتدم البيت، وقام الخصام حتى طلق الرجل زوجته، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، فأي تربية وأي ولاء هذا؟
وبعضهم ببعض اللعب تبلغ به الشغف، مثل البلوت، تجد بعضهم مسلوب الإرادة، فتجده يلعب من صلاة العشاء إلى الساعة الثانية ليلاً، لا ذكر ولا صلاة، ولا قرآن ولا تسبيح، ولا دعاء ولا تبتل، ولا طلب علم ولا تحصيل، يلعب هذه اللعبة ويهيم بها ويراها في المنام فهل بعد هذا حب؟ وهل بعد هذا ولاء؟
والله عز وجل يريد من العبد أن يعيش ذاكراً الله دائماً وأبداً: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191].
يقولون: كان شيخ الإسلام ابن تيمية لسانه لا تفتر عن ذكر الله، قالوا: نراك يا أبا العباس! ما تفتر أبداً عن ذكر الله، قال: قلبي كالسمكة، إذا خرجت السمكة من الماء ماتت، وقلبي إذا ترك الذكر مات.
فانظر إلى الحب، يحبهم ويحبونه.
يقول ابن القيم: ليس العجب من قوله يحبونه؛ فإنهم يحبونه لأنه منعم، لكن العجب من قوله يحبهم، خلقهم ورزقهم وأحياهم وأعطاهم ثم قال: يحبهم.
فنسأل الله أن نكون وإياكم من أحبابه، ومن أقرب الناس إليه، فإنه -والله- الفوز في الدنيا والآخرة، لكل من أراد أن يكون من الصالحين الأخيار.
{يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] بدأ أولاً بالعقيدة، وهذه المسألة كما ترى هي التي دائماً نكررها للناس، فقضيتنا الكبرى هي العقيدة، وبعض الناس يقول: لا يحتاج أن تتكلمون في العقيدة أو: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] عرفناه ونحن في الابتدائية، ولا تشغلونا بالعقيدة ويكفي، ولا والله لا يكفي، بل نتكلم عن العقيدة اليوم وأمس وغداً، وهي قضيتنا الكبرى وهي رسالة الرسل عليهم السلام، وهي أعظم القضايا على الإطلاق، فلذلك بدأ بها.
والمسلم دائماً يكون حكيماً، إذا أتى إلى مجتمع أو أناس، ورآهم في شيء من الانحراف يبدأ بالعقيدة، فكيف تصحح مفاهيم الناس في السنن وهم معرضون عن العقيدة؟!
إنسان يأتي إلى قوم من البادية، يدعوهم إلى تربية اللحى وتقصير الثياب، ماذا ينفعهم إذا ربوا لحاهم، وقصروا ثيابهم، وهم لا يعرفون الله بأسمائه وصفاته، ولا يعرفون عظمته ولا يعرفون كماله وجلاله؟
وماذا ينفع الملحد أن يطلق لحيته، ويقصر ثوبه، وهو زنديق قلبه كقلب الحمار؟
هذا لا ينفع.
قال: {لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] فالشرك أعظم ذنب عصي به الله عز وجل، والشرك وصفه الله عز وجل بأوصاف:
{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فالله عز وجل جعل أعظم الذنوب الشرك.
قال ابن مسعود في الصحيح: {يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وقد خلقك} وقال نوح عليه السلام لابنه: يا بني! لا تشرك بالله ولو مُزِّقت وسحقت أو كما قال.
وكانت رسالة نبينا عليه الصلاة والسلام عن التوحيد، وصح عنه أنه قال: {من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة} ومعنى مخلصاً من قلبه أي: يعمل بمقتضاها، أما أن يقول: لا إله إلا الله، لكن أبرد من الثلج، تخرج من لسانه لا معنى لها.
يقول: لا إله إلا الله، وهو عبد للأغنية!
يقول: لا إله إلا الله، وهو متعلق بالفيلم والشاشة!
ويقول: لا إله إلا الله، وبيته سكنة لإبليس!
يقول: لا إله إلا الله، وقلبه وثن!
يقول: لا إله إلا الله، وهو كالخواجة في تصرفاته وخلقه وسلوكه!
يقول: لا إله إلا الله، وهو لا يعرف من الإسلام لا رسماً ولا اسماً ولا قرآناً ولا ذكراً ولا صلاة جماعة!
يقول: لا إله إلا الله، وهو يحارب الملتزمين والأخيار والأبرار وأهل الدعوة وأهل العلم!
يقول: لا إله إلا الله، وهو يحبذ أن ينتصر الكافر على المؤمن!
يقول: لا إله إلا الله، وهو يعجب بالكفار ويذكرهم في المجالس.
ولذلك فروخ العلمانية وأذناب الماسونية دائماً ينفخون في أبواق أعداء الله أهل الحضارة القوم هنالك أهل العظمة والتصنيع أهل التكنولوجيا أما نحن فأهل الرجعية -يقول عن نفسه- وأهل التخلف والعالم الثالث، والدول النامية، ومن هذا القبيل هذا رجل مغرور بالله، وهذا رجل مخبول، وهذا رجل بعيد عن الله، فمعنى لا إله إلا الله مخلصاً من قلبك؛ أن تكون عابداً لله.
سليمان الأعمش الذي ترجم له الذهبي الراوي المحدث لما حضرته الوفاة قال لابنته: يا بنية! لا تبكي عليّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام في الجماعة خمسين سنة، فما الحال في رجل يقول لا إله إلا الله وليس بينه وبين المسجد إلا مائة متر أو خمسين متر لكنه لا يصلي فيه! يسمع الله أكبر تدوِّي من على المنارة لكن لا يصلي في المسجد، وليس عنده عذر، هل بقي في قلبه إيمان! ماذا تنفعه لا إله إلا الله! فتجد هذا متهتكاً في الحدود.
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خال
والله لو كان في قلبه إيمان لمشى في الظلام، يروى في الحديث: {بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة} كثير من الصالحين، ومن الشباب والأخيار يمشي في الثلج إلى المسجد، وفي شدة البرد القارص، الذي كالسكاكين، لكن في قلبه وقود هائل من الإيمان.
والله سمعت أنا من شاب من نيجيريا -هذا الشاب من أعبد عباد الله عز وجل- يقول لي: الحمد لله ولو أنام قبل الفجر نصف ساعة فقط، ثم أسمع الأذان -ويسمعني الله عز وجل الأذان- فلا يمكن أن أبقى ولو لحظة، حتى يقول: نام مرة واقترب الأذان؛ فكأنه ما سمع الأذان، فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقول: استووا استووا وعدلوا الصفوف قال: فاستيقظت مباشرة؛ لأن من استنار قلبه بنور الله أيقظ الله فطنته على تقوى من الله ورضوان.