الثامن من الأسرار: وهذا سرٌ للدعاة أقوله بيني وبينهم ولعله لا يدري به إلا من يسمعه من الناس، أقول: أن عليهم أن يتحملوا، وأن يكظموا الغيظ، وأن يصفحوا: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22] وقد قال سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ومنها: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:134] فليتحملوا في سبيل إرساء دعوتهم، وتعليم الناس، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوضيح كل ما يشكل على الأمة، وليعلموا أن ما أصابهم ففي سجل الحسنات، وفي محفل الدرجات وتكفير من السيئات.
وعند الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم} وليجعل الدعاة قدوتهم معلم الخير عليه الصلاة والسلام؛ ليكونوا على بصيرة، وليكونوا إن شاء الله ممن ينصرهم الله في الدنيا والآخرة، ثم ليبشر الدعاة بالأجر الجزيل من الله تبارك وتعالى، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} وليبشروا بالثناء الجميل من الناس، فإنه لا يطلب لذاته، لكن إذا حصل فهو من المبشرات، وعاجل بشرى المؤمن، وإبراهيم عليه السلام يقول لربه تبارك وتعالى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء:84] قال أهل العلم: الثناء الحسن، وقال الناظم:
وإنما المرء لسانٌ بعده فكن لساناً حسناً لمن وعى
أو قال:
وإنما المرء حديثٌ بعده فكن حديثاً حسناً لمن وعى