قال: فالذي أنصح به هؤلاء الإخوة الذين وقعوا في أعراض الدعاة، ونالوا منهم أن يتوبوا إلى الله تعالى مما كتبته أيديهم، أو تلفظت به ألسنتهم، مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع.
حتى وصل الأمر -والعياذ بالله- ببعض الشباب أن تركوا حضور المحاضرات، وبعض المبتدئين والمقصرين من أمثالنا قالوا: مادام الدعاة هكذا، فلا نحضر محاضراتهم ولا دروسهم، ولا نسمع أشرطتهم.
سبحان الله! هكذا أوحى إليهم الشيطان، بسبب ما نقل من بعض الأشرطة والكتيبات التي لا تخفى عليكم.
قال: أو تلفظت به ألسنتهم مما كان سبباً في إفساد قلوب بعض الشباب، وشحنهم بالأحقاد والضغائن، وشغلهم عن طلب العلم النافع، وعن الدعوة إلى الله بالقيل والقال، والكلام عن فلان وفلان، والبحث عما يعتبرونه أخطاء للآخرين، وتصيدها وتكلف ذلك!
والعجيب أن بعض الناس لا يستمع الحكمة، ولا يستفيد من الفائدة، ولا يعجبه إلا عثرة الدعاة؛ حتى كما قال عامر الشعبي: والله لو أصبت تسعاً وتسعين إصابة، ثم أخطأت خطأ واحداً، لعدوا عليّ ذاك الخطأ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في كتاب المأمول: بعض الناس كالذباب لا يقع إلا على الجرح.
آلاف الأشرطة الآن في الأسواق كلها حكمة وآيات وأحاديث وقصص ونفع وفائدة، فتجد المغرض يتركها جميعاً ويذهب إلى شريط سقط فيه الداعية سقطة أو عثر عثرة، أو أخطأ خطأً، ثم يأتي يقول: هو الذي ذكر في الشريط كذا وكذا، اسمعوا لشريطه.
سبحان الله! أين العدل والإنصاف؟! أين الرؤية الموضوعية؟ أين ما طلبه الله سبحانه وتعالى منهم أن يكونوا شهداء لله ولو على أنفسهم؟ والله يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].
ثم قال سماحته: كما أنصحهم أن يكفروا عما فعلوا بكتابة أو غيرها، مما يبرئون به أنفسهم من مثل هذا الفعل، ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من قولهم.
وأنا أطالب كما طالب سماحته من قال كلمة في داعية أن يكفر بكلمة مثلها في المجلس، إن انتهك عرضه أو دعوته أو منهجه، أو أسلوبه، أو مزاجه، أن يقوم فيذب عنه، أو يثني عليه، أو يتحدث عن خصال الخير في العلماء والدعاة ليمحو الله سبحانه وتعالى السيئة بالحسنة.
إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكن يمحو السيئ بالحسن، والله يقول سبحانه وتعالى: {وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:22] ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114] وذكر المربي العالم الغزالي في إحياء علوم الدين: أن السيئة تكفر بجنسها، فمثلاً من استهان بالمصحف في أيام ضلال وقد تاب؛ فعليه أن يكرم المصحف، ومن كان يسمع الغناء مثلاً في جاهليته؛ فعليه أن يسمع قول الحق والسماع الشرعي في كتاب الله عز وجل، ومن كان يعلق على الدعاة ويستهين بهم وبالعلماء فعليه أن يذب عنهم، وأن يثني عليهم وينشر فضائلهم، ويتقي الله سبحانه وتعالى فيهم.
قال سماحته: ويزيلون ما علق بأذهان من يستمع إليهم من حولهم، وأن يقبل هؤلاء على الأعمال المثمرة التي تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وتكون نافعة للعباد.
لماذا لا يشتغل هؤلاء بالحق، أو بتربية أنفسهم، أو بالنفع؟ وإذا لم يفعل أحد فليكف لسانه، كف عليك لسانك، أو الزم بيتك، ولا تؤذ مسلماً {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس}.
قال: وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير.
وهنا وقفة، حول إطلاق التكفير، في الأسواق كتاب لمفتي عمان، اسمه الخليلي، وهو مازال حياً، والحقيقة أن هذا الكتاب مخالف لـ أهل السنة والجماعة، ويكفر أهل الكبائر؛ كشارب الخمر وكذلك الزاني والسارق، وهذا خلاف منهج أهل السنة والجماعة الذي ندين الله به، فلله الحمد على أن عصمنا من تكفير المسلمين، يشرب شارب الخمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {لا تسبوه، فو الذي نفسي بيده! إنه يحب الله ورسوله}.
ولا يعني كلامي أني أجرئ الناس على المعاصي حاشا وكلا! ولكن ليكن عندنا ضابط، فإن عندنا ثلاث دوائر في الإسلام: دائرة الإيمان، ودائرة الإسلام، ودائرة الكفر، فدائرة الإيمان يدخلها الذي لا يرتكب الكبيرة عند بعض أهل العلم، ودائرة الإسلام يدخلها من يرتكب الكبائر ولكن لم يستحلها، ومازال مسلماً يقوم بالفرائض، ودائرة الكفر يدخلها من أتى بمكفر أو استحل كبيرة من الكبائر.
وأيضاً هناك عصيان وفسوق وكفر، قال تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7] فالكفر هو ما يخرج من الملة، ويُستحل دم من ارتكبه، والفسوق هو ارتكاب كبيرة كالزنا وشرب الخمر ممن يصلي ويعلم أن الزنا وشرب الخمر حرام؛ ومرتكب الكبيرة ليس بكامل الإيمان، وليس كالصالحين من عباد الله، ونشهد أنه فاسق، ولكن ليس بكافر؛ فلا نستحل دمه بل نقيم عليه الحد، وأما المؤمن فهو من يترك الكبائر ويداوم على الفرائض، وقد يأتي الصغائر، ولكن يتوب منها ولا يصر عليها.
هذه يا عباد الله معالم لابد أن يعلمها العبد، ولابد أن يتكلم عن بصيرة ودراية ويسأل أهل العلم.