ومن خصائص أهل السنة: اتباعهم آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بليالٍ، حيث قال: {عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ}.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو حديث صحيح.
هذه وصيته عليه الصلاة والسلام.
وله حقوق علينا، منها: أن نحبه حباً يغلب حبنا لأطفالنا ولأهلنا ولأمهاتنا وآبائنا، وحبه يسري في دمائنا، وحبه يغلب على أنفسنا؛ حتى تتمنى أنت أنك قطعت بين يديه في سبيل الله، وتتمنى أن الشمس المحرقة إذا أرادت أن تصل إلى جسمه تصل إلى جسمك أنت.
فديناك يا ليل السهاد الذي سرى بجسمك دوماً في محاجرنا يسري
تصل إلى درجة خبيب بن عدي، وتفقد نفسك وأنت خصيم نفسك وشاهد عليها: {بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:14 - 15].
فاسأل نفسك يا عبد الله وخاصم روحك، وقد جعل الله من نفسك على نفسك سلطاناً، وقف مع نفسك خصماً وتأمل!! هل أنت تحبه صراحة؟
هل تسعى لما فعل خبيب بن عدي الشهيد البطل لما رُفِعَ إلى المشنقة وقدم على الموت، وأتت السيوف تنوشه من كل جهة، والرماح تقطعه في حرارة الشمس، وهو يقول لكفار قريش: [[اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فقال أبو سفيان: يا خبيب! أتريد أن محمداً مكانك]] لأنهم يرون أن الذي ورَّط خبيباً هو محمد عليه الصلاة والسلام، والله إنها من أحسن الورطات، ومن أشرف وأعظم المنجيات.
يذكرون أن رجلاً جاهلاً نصح ابنه فقال له: لا تدع إلى الله، وقد كان بعد كل صلاة يقول: عن أبي هريرة عن أبي هريرة فقال: يورطك أبو هريرة، قال: لا يورطني إن شاء الله، فتكلم ابنه فسُجن، وهذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] وسبيل أحمد ومالك والشافعي وابن تيمية والعز بن عبد السلام، فتلك طريق ممضية، فلما سجن قال له أهله: أخرج ابننا، قال: يخرجه أبو هريرة.
الذي ورطه أبو هريرة فيخرجه أبو هريرة.
فلما ارتفع خبيب إلى المشنقة، قال: أتريد أن محمداً مكانك وأنك في أهلك ومالك؟ قال: [[لا والذي نفسي بيده! ما أريد أن محمداً عليه الصلاة والسلام تصيبه الشوكة وأني في أهلي ومالي منعماً، السلام عليك يا رسول الله]] وكان خبيب في مكة والرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، الشيخ في المدينة والتلميذ في مكة، لكن الأرواح تسري، وتقطع المنازل، وتصل إلى القلوب، وتأتي على المسافات والجبال، قال: [[اللهم أبلغ رسولك ما ألقى الغداة]] يقول: أخبره بما وجدت وبما لقيت وبما تعرضت له.
يا من يعز علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدم
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا ألَّا تفارقهم فالراحلون همُ
إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
ووصل الخبر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في نفس اللحظة، فأخذ يلتفت وعيناه تهراقان بالدموع، ويقول: {عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب! عليك السلام يا خبيب! إلى الجنة} يريد صلى الله عليه وسلم أن يوصل تلاميذه إلى الجنة.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى للمطايا طيب ذكراك حاديا
وإني لأستغشي وما بي غشوة لعلَّ خيالاً منك يلقى خياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا
فإما حياة نظم الوحي سيرها وإلا فموت لا يسر الأعاديا
رضينا بك اللهم رباً وخالقاً وبالمصطفى المختار شهماً وهاديا
هذا منهج أهل السنة، أتريد حياة غير حياة هؤلاء؟!!
وهم يحبونه عليه الصلاة والسلام ويموتون في حبه، ويتمنى الواحد منهم أن تتفجر به القنبلة لترتفع سنته ومنهجه في الأرض، وأتباعه ذهبوا إلى أفغانستان يجددون العهد، عهد بدر وحنين.
تلك العصا من تلكم العصية وهل تلد الحية إلا حية
فتفجرت بهم دبابات الملحدين الحمر، فولوا الأدبار خاسرين خائبين يوم رأوا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: ها قد عدنا إلى العالم، ورجعنا من جديد، وأتينا ننصر الرسالة الخالدة، كلما مات جيل أتى جيل:
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثلما فعلوا
حبهم ليس مفتعل! فهم يحبونه حباً يسري في الدماء، تسقط شعرة منه عليه الصلاة والسلام فيتقاطعوها عند الجمرة يوم حلق رأسه وكاد الناس يقتتلون عليها، يأخذون القدح الذي شرب فيه فيتسابقون أيهم يشرب من الموضع الذي شرب منه، يبصق فيأخذون البصاق، فيتمسحون به على وجوههم، لكنه حب ليس بتأله، واتباع وليس بعبودية له؛ لأنه هو الذي علمهم لمن تكون العبودية.
يا قاتل الظلم ثارت هاهنا وهنا فضائح أين منها جندك الواري
طه إذا ثار إنشادي فإن أبي حسان أخباره بالشعر أخباري