فكِّر واشكُر

المعنى: أن تذكر نعم الله عليك، فإذا هي تغمرك من فوقك، ومن تحت قدميك: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] صحة في بدن، أمن في وطن، غذاء وكساء، هواء وماء، لديك الدنيا وأنت لا تشعر، تملك الحياة وأنت لا تعلم: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان:20] عندك عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وأمن في أوطان: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:13] هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك وقد بُتِرَت أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار الألم نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عُكِّر عليه الطعام، ونغِّص عليه المنام بأمراض وأسقام؟!

تفكر في سمعك، وقد عوفيت من الصمم، تأمل في نظرك وقد سلمت من العمى، انظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام، المح عقلك وقد أُنعِم عليك بحضوره، ولم تُفْجَع بالجنون والذهول.

أتريد في بصرك وحده كـ جبل أحد ذهباً؟! أتحب بيع سمعك بوزن ثهلان فضة؟! هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نعم عميمة، وأفضال جسيمة، وآيات عظيمة؛ ولكنك لا تدري، تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً، وعندك الخبز الدافئ، والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا تشكر الموجود؟! تنزعج من خسارة مالية، وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكِّر واشكُر! {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

فكِّر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك، وأصدقائك، والدنيا من حولك، {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل:83].

صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من أصبح آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها}.

وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس}.

خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك إلا راحة البدن

وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل سار منها بغير الطيب والكفنِ

ويقول أبو العتاهية:

رغيفُ خبز يابسٍ تأكله في زاويه

وكوز ماء بارد تشربه من صافيه

وغرفة خالية نفسك فيها راضيه

ومصحف تدرسه مستنداً لساريه

خير من السكنى بظـ ـلات القصور العاليه

من بعد هذا كله تُصلى بنار حاميه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015