يا إنسانُ! بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِي، وبعد السهر نوم، وبعد المرض عافية، وبعد الفقر غنى، وبعد السجن حرية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويُفك العاني، وينقشع الظلام: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:52].
بشر الليل بصبح صادق يطارده على رءوس الجبال ومسارب الأودية، بشر المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة.
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد فاعلم أن وراءها رياض خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع.
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم التوحيد؛ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة: {بَرْداً وَسَلاماً} [الأنبياء:69].
البحر لا يغرق كليم الرحمن؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62].
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده سبحانه معنا، فنزل الأمن والفتح والسكينة.
إن عبيد ساعاتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق والتعاسة؛ لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب، ألا فليمدوا أبصارهم وراء الحُجب، ألا فليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء الأسوار، ألا فليحسنوا الظن بالعزيز الغفار.
إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة: انتظار الفرج، الأيام دُوَل، والدهر قُلَّب، والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والحكيم كل يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً: {وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:6].
دع المقادير تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حالِ
وانظر إلى يونس بن متَّى عليه السلام في ظلمات ثلاث، لا أهل، ولا ولد، ولا صاحب، ولا حبيب، ولا قريب، إلا الله الواحد الأحد، فهتف بالكلمة الصادقة المؤثرة النافعة: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] فجاء الفرج.
ويعقوب عليه السلام يقول لأبنائه: {وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
فلا يأس والله يُدعَى، ولا قنوط والله يُرجَى، ولا خيبة والله يُعبَد، ولا إحباط والله يُؤمَن، جل في علاه، فإذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً}.
انظر إلى أخبار الأمم وقصص الدول، كيف غلب الله على أمره جل في علاه؛ لأنه الفعال لما يريد، فجاء باليُسر بعد العسر سبحانه، وفي حديثٍ حسن: {ولن يغلب عسرٌ يسرين}.
المنصور بن أبي عامر -الملك الأندلسي- حكم بقتل عالم من العلماء، وأعطى السياف ورقة، أراد أن يَكتب فيها: يُقتَل، فكتب: يُطلَق، فردَّها السياف إليه، فشطبها وكتبها: يُطلَق، فردها إليه، فشطبها وكتبها: يطلق، يريد أن يُقتَل، فلما كتب يُطلَق، تعجب واحتار، وقال: والله إنه لأمر الله جل في علاه، والله ما أردتُ إلا قتله، وإنه ليُطلَق على رغم أنفي، فأطلقه: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29].
سَهِرَت أعين ونامت عيونُ في شئونٍ تكون أو لا تكون
إن رباً كفاك ما كان بالأمسِ سيكفيك في غدٍ ما يكونُ