قال: فذهبت إلى حفصة في بيتها فدخلت عليها فوجدتها تبكي.
فقد أتاها الخبر ولكن ما تثبتت منه فقلت: أطلقك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: لا أدري.
قلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالت: هو في المشربة قال: فانطلقت فإذا على المشربة غلام أسود يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فذهب فاستأذن فلم يأذن؛ فرجع الغلام فقلت: أستأذنت لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم، حدثته أنك بالباب فلم يرد علي كلاماً.
قال: فذهبت إلى المسجد وغلبني ما أجده في صدري فعدت فقلت للغلام: استأذن لي؛ فاستأذن مرة ثانية فلم يأذن له.
قلت للغلام: أستأذنت لي؟ قال: نعم، ولكنه لم يرد عليَّ جواباً.
قال: فذهبت إلى المسجد.
انظر إلى هذا الصابر والجبل العظيم والعملاق، سوف يتحدث في مناظرة شفوية حارة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عن السبب، وما هو الداعي، وسوف يكون من صف الرسول صلى الله عليه وسلم لا من صف ابنته؛ لأن بعض الناس إذا طلقت ابنته؛ قام معها ظالمة كانت أو مظلومة، شاكية أو مشكوة، والله يقول: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4] يعني حفصة وعائشة.
كأنه يقول: لا تنخدعا، لا تظنا أن أبا بكر وعمر سوف يكونا في صفيكما؛ بل سيكونا مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال: فرجعت مرة ثالثة، وقلت للغلام: استأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاستأذن فقال: دعه يدخل.
قال عمر: فتسلقت درجة المشربة -درجة من عود منحوتة تصل إلى المشربة- قال: فدخلت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع وقد أثر الحصير في جنبه -لأنه لم يكن بينه وبين الحصير الذي هو من خصف النخل وطاء ولا غطاء- قال: فلما رآني صلى الله عليه وسلم تربع في مجلسه، فعرفت الغضب في وجهه، فجلس صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان حساساً، وكان يتأثر بالمثيرات فتظهر في وجهه صلى الله عليه وسلم.
كان المنكر يظهر في وجهه، وكان سيما البشريات تظهر في وجهه، تقول عائشة: [[إذا سر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأسارير وجهه كانت تبرق كالعارض البارق]] أي: كالبرق إذا عرض، ولذلك قالت: كنت أتذكر قول أبي كاهل يوم قال:
وإذا أستسر ترى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل