Q أولاً: نقول من صميم قلوبنا: إننا نحبك في الله.
سؤالي: أنا شاب أبلغ من العمر ستة عشر عاماً، قد هداني الله عز وجل منذ أشهر قلائل، ولي إخوة ما زالوا على ضلالهم، ويعيشون من المنكرات ما الله به عليم، وكان لي إخوة في الله ينصحونني، ويوجهونني، ويحثونني على كل خير، ولكن قلت في نفسي: أترك إخوتي في الله لكي أتفرغ لإخوتي من أبي، فتركت إخوتي في الله، وأنا اليوم في حيرة من أمري، وأخشى على نفسي من الانتكاسة بعد الهداية، فما نصيحتك لي مع بداية هذا الشهر الكريم؟
صلى الله عليه وسلم أولاً: أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وهذا الأخ المقبل على الله عز وجل أسأل الله أن يثبته ويثبت كل مسلم، وأن يزيده بصيرة وتوفيقاً، وفي الحقيقة أن هذا السن -سن السادسة عشرة وما يقاربها- سن خطير، والإنسان فيه بين مفترق الطرق، مع نقص نسبي في العقل، ومع كثرة العواطف والاندفاع، ومع قلة العلم، ومع الشهوة العارمة، ويسميه بعض الناس من القدامى: سن الجنون، وقد روي عن عمر: [[الشباب شعبة من الجنون]] وهذا أمر معهود عند كثير من الناس والأمم، أن سن الشباب هو سن الغلطات والعواطف إن لم يعصم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويوفق.
وتجد الإنسان اليوم يلوم نفسه على فعل فعله بالأمس أو في الصغر، ويرى أنه ارتكب حماقات، وغلطات، وأخطاء، فأقول لك: عليك بأمور، منها: أن تنضوي -بعد التجائك إلى الله عز وجل- إلى شيخ عالم فقيه ورع، أو طالب علم تثق به، فيكون بينك وبينه مدرسة وصلة ونسبة، دائماً تستفتيه وتشاوره وتجلس معه، ثم يكون لك رفقة صالحون من عباد الله الأتقياء البررة.
الأمر الثاني: أرى أن تطلب العلم، فإن سنك يطلب فيه العلم، فالذهن متفتح ومتفتق وقابل، فأرى أن تستعد لحفظ النصوص، وما تيسر من كتاب الله، ومن سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وتدعو الله دائماً: يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني.
الأمر الثالث: طاعة الوالدين، وأمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر بالتي هي أحسن، والقيام على البيت، فإن بعض الشباب إذا اهتدى ترك والده وبيته، واشتغل بالدعوة، وخرج من البيت في المخيمات، وفي اللقاءات، والسمرات والسهرات، مع العلم أنه -أحياناً- ليست هناك دعوة، لكن باسم الدعوة، وإذا أمره أبوه قال: أنا في الدعوة، وإذا نهته أمه، قال: أنا في المحاضرة، أنا مع الشباب، أنا في المخيم، وهذا خطأ كبير، حتى أنك تجد بعض الآباء يصد ابنه عن الاستقامة بسبب هذا الأفعال، ويقول: إذا كان الاتجاه والالتزام والاستقامة يسبب لي ابناً عاقاً لا يقوم معي، ولا يقضي أغراضي، ولا يلبي طلبي، فلا أريد هذا الابن وهذا مسلك خطير، حتى أن الأبناء الذين يفعلون ذلك لا يتقبل منهم أهلهم في بيتهم؛ لأن أهله يرون أنه عاص، وأنه لا يقوم معهم، ولا يحضر عزائمهم ولا ولائمهم، ولا يقضي أغراضهم، ولا يوصل مريضهم إلى المستشفى، ثم يأتي ينصحهم: اتركوا هذا وافعلوا هذا، فلا يتقبلون منه.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
فوصيتي للشاب ألا يكون سلبياً في بيته، بل ولا في حيه، وعليه أن يقدم الخدمات للناس، حتى يستولي على قلوبهم، ويقبلون كلامه، ويعيشون واقعه، وإذا اغترب عنهم تحروه واشتاقوا له، هذا هو الداعية الحق، أما الكلام وحده فلا يكفي، يقول أبو العتاهية:
العنز لا تشبع إلا بالعلف لا تشبع العنز بقول ذي لطف
وهذا فيه حكمة جليلة، يقول: الناس لا يشبعون بالكلام، والمحاضرات لا تشبع أحداً، والرسول صلى الله عليه وسلم لو بقي فقط يتكلم من فوق المنبر بكلمات: افعلوا واتركوا ما أقبلت له العرب، لكنه كان يعطي ثوبه للفقير، ويعطي مائة ناقة لصناديد الناس، ويعطي دموعه، ويسلم خدماته، ويتبسم، ويضيف في بيته، ويذهب إلى المسكين، ويقف مع العجوز، ويمسح رأس الطفل، ويعطي اليتيم، ويحل مشاكل الناس، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويصل الرحم، ويعفو عن الزلة.
فعاش صلى الله عليه وسلم وإذا أفعاله مثل الجبال.
زاد معروفك عندي عظماً وهو في نفسك مستور حقير
تتحاماه كأن لم تأته وهو عند الناس مشهور خطير
{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62 - 63] فهذه أياديه البيضاء التي طوقت الأعناق عليه الصلاة والسلام، وهي وصية للأخ الشاب.