أول ما تقع على التراب: تقع غريباً لا ثياب، ولا مال، ولا جاه، ولا أسرة، ولا منصب، ولا بيت، ولا وظيفة، ولا أي شيء؟!
فيوم تقع تبكي، وهذا البكاء، بعضهم يفلسفه، ويقول: (لأنك خرجت من السعة إلى الضيق) بطن أمك أوسع من الدنيا وما فيها.
دنيا الطغيان
دنيا الفجور
دنيا المعاصي
دنيا الشهوات
دنيا الشبهات
ولكن صحَّ عند البخاري: أن أول ما يولد المولود يغمزه الشيطان وينغزه، إلا عيسى بن مريم عليه السلام فسلم من ذلك، فيبكي المولود يوم ينْغَزُه الشيطان، وكأنه يقول لهذا المولود: تَحَرَّ وانتظرْ حرباً شعواء، فسوف أحاربك إلى آخر ساعة.
يوم يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31].
حضرت الوفاة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ورحم الله تلك العظام، فهو الشاب الذي قاد الأمة، وجدد أمرها في القرن الأول، حضرته الوفاة، فأصبح في سكرات الموت، فدخلت زوجته فاطمة بنت عبد الملك، فقال: [[يا فاطمة! اخرجي من بيتي، فإني أرى نفراً ليسوا بإنس ولا جن]] قال أهل العلم: هم ملائكة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء:102].
وذكر عن الإمام أحمد الزاهد العابد، الذي أصبح جسمه كالعود من كثرة الصيام والعبادة، وكثرة الإنابة والدعاء، الذي كتب أربعين ألفاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظ ما يقارب ألف ألف حديث بالآثار والموقوفات والمقطوعات، الذي وقف حصناً مع أهل السنة في وجه البدعة، جُلِد بالسياط، ومع ذلك حضره الموت، وجاء إبليس يصارعه حتى في سكرات الموت، يا إبليس، ما وجدت إلا الإمام أحمد، إمام أهل السنة والجماعة تصارعه؟
أما علمت أنه رجل تربى وخلط دمه ولحمه بالسنة، فأخذ يعظ أنامله ويقول الإمام أحمد: [[لا بَعْدُ، لا بَعْدُ]] أي: ما نجوتُ من مكيدتك أيها الكائد الخبيث، هذه فتن، يتعرض لها المغترب يوم يسافر بغربته وإيمانه وسنته، إلى الله عزَّ وجلَّ.