ولذلك كان عليه الصلاة والسلام، يريد أن يوجه طاقات الأمة إلى الله، فنحن في الإسلام لا نطرد الشاعر لأنه شاعر، ولا نقول له: لا مجال لك عندنا في الإسلام، بل نرحب به ونقول: ديننا يحيي هذا الفن، ولك مكان بيننا، فانصر الله بكلمة الشعر، بدلاً من أن تصف به حسناء، أو تتغزل بامرأة معصومة موقرة عفيفة، أو تتطلع بالشعر على عورات المحصنات الغافلات المؤمنات، فتوجه بالشعر إلى الله واخدم هذه الرسالة الطاهرة، وارفع من قيمة الدين، وتحدَّث عن كل شيء في الحياة، لكن بشرط أن تتقي الله.
يقول ابن كثير في البداية والنهاية: " لما توفي أبو نواس، وكان أبو نواس من شعراء الدولة العباسية - وكان من الفساق في شعره وفي حياته، وعلمه عند الله -فلما توفي رئي في المنام، قيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وأدخلني الجنة، قالوا: بماذا؟ قال: نظمت قصيدة وصفت فيها الوردة، ثم رددتها إلى قدرة الله عز وجل ".
فانظر كيف دخل الجنة من هذا الباب، فقد أتى إلى وردة باسقة في بستان، فوصفها، فأدخله الله الجنة، وقد أورد هذه الأبيات ابن كثير في تفسير سورة البقرة، ومنها:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيكُ
على قضب الزبرجد شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ
فأدخله الله بهذه المقطوعة الجنة.
ثم يقول ابن كثير في ترجمة جرير الشاعر قال: " رئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: أذَّنتُ وحدي في البادية حيث لا يراني إلا الله؛ فغفر الله لي بذلك الأذان ".
هل أعظم من المسلم حين يكون في سفر ويصبح وحده في الصحراء لا يراه إلا الله، ولا يطلع عليه إلا الله، فينزل من سيارته، أو من مركوبه، ويقف ويتوضأ ثم يؤذن في الصحراء، يرفع كلمة التوحيد في الصحراء، حيث لا يسمعه إلا الشجر أو الحجر أو المدر، لأن هذه تشهد له يوم القيامة، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل الإنسان إلى هذا الدين وإلى أبواب الجنة، إن كنت متكلماً خطيباً فاتقِ الله في خطابتك، واخدم بها هذا الدين، وإن كنت شاعراً مطبقاً مصقعاً فادخل أبواب الجنة بشعرك، وارفع به راية الإسلام، وإن كنت راسماً فناناً فاتقِ الله في رسمك واخدم به دينك، ارسم ما يقرب قدره إلى الأذهان، ممَّا لا روح فيه، ولا تضاه خلق الله، ولكن قرب الطبيعة إلى الناس، علمهم قدرة الله، بين لهم كيف خلق الله الزهرة، وكيف أبدع لونها، وكيف أرسل شذاها، وكيف جمل مرآها، وكيف سوَّى معناها؛ لتنال المحبة من الله عز وجل والرضا.
إن من أراد دخول الجنة ما عليه إلا أن يصدق مع الله، ثم ليفتح باباً له، فإن الأبواب بعدد الأنفاس.