يقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - ثلاثة أواهم المبيت إلى غار} ثلاثة من بني اسرائيل، ذهبوا يطلبون إبلاً لهم ضلت، وقيل غنماً وقيل غير ذلك، فأدركهم المبيت في الليل، إلى غار في الجبل، فدخلوا الغار في ظلام الليل؛ لأن بيوتهم بعيدة فلما دخلوا الغار، أنزل الله القطر من السماء، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليه فم الغار، في مكان لا أنيس فيه إلا الله، ولا حافظ إلا الله، ولا قريب إلا الله، ولا مسدد ولا هادي إلا الله، فحاولوا أن يصرفوها عن فم الغار فما استطاعوا، وهم بعيد عن الأهل والدار؛ لا زوجة ولاولد، ولا أخ ولا صديق ولا حميم، ولكن الله فوق سبع سماوات، فجلسوا يتباكون، فقال أحدهم: ما لكم؟ قالوا: أهلنا حجزنا دونهم وأطفالنا {قال أحدهم: والله لا ينجيكم هذه الليلة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم} أي: فكل من كان منكم عنده عمل وسريرة بينه وبين الله، أو فعل حسنة في الدهر فليذكره هذا اليوم عل الله أن يرحمنا بها، قال الأول: أنا أتكلم، قالوا: تكلم، قال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وإني كنت لا أقدم عليهم أهلاً ولا مالاً، وإنه قد نأى بي طلب الشجر، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما فحلبت إبلي وأتيت إلى والدي ليشربا، فوجدتهما نائمين، قال: فأخذت الإناء بيدي وصبيتي وأطفالي يتضاغون من شدة الجوع عند أقدامي، فما سقيتهم قبل والدي، وما أيقظت والدي لئلا أزعجهم من النوم، فبقيت حتى طلع الفجر، والإناء في يدي، وأبنائي يتباكون عند قدمي، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك؛ فافرج عنا ما نحن فيه، قال: فانفرجت الصخرة، لكنهم لا يستطيعون الخروج، وقام الثاني وقال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم جميلة من أجمل النساء، راودتها عن نفسها فأبت، فلما ألم بها الفقر، أتيت إليها فذكرتني الله عز وجل فانصرفت عنها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج، وقال الثالث: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أجراء يعملون عندي فأعطيتهم أجرتهم إلا رجلاً واحد أردت أن أعطيه فغضب فترك أجرته، فأخذت أجرته فثمرتها حتى أصبحت إبلاً وغنماً وبقراً وشيئاً كثيراً من المال فلما أتى قلت: خذ هذا المال أجرتك، قال: لا تستهزئ بي، قلت: هذا مالك، فأخذه فما ترك لي شيئاً، اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك وما عندك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، قال: فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون، وفيه دليل على أنه لا ينجي العبد إلا العمل الصالح، لا يحفظه الله عز وجل إلا بالعمل الصالح، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف}.