يقول عليه الصلاة والسلام: {كان في من كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً} أخذ سيفه وهو ظالم فاجر، فأخذ تسعة وتسعين من الأنفس المعصومة فقتلها، فلما تلطخ بالدماء، وتلطخ سيفه بسفك الأبرياء، تذكر رب الأرض والسماء، وتذكر العرض على الواحد الأحد يوم القيامة، فذهب إلى الناس فقال: هل لي من توبة؟ قالوا: اذهب إلى ذاك الرجل الذي يعبد الله في هذا الغار، فاسأله هل لك من توبة، فذهب إلى رجل عابد ما عنده من العلم شيء، عابد لكنه جاهل، فدخل عليه فطرق عليه الغار، فخرج هذا الرجل، فقال: يا فلان! قال: نعم.
قال: قتلت تسعة وتسعين نفساً، فصرف وجهه عنه، وقد أخطأ في هذا العمل، لأنه يغلق باباً فتحه الله، ويقطع حبلاً مده الله، قال: هل لي من توبة؟ قال: لا توبة لك، فأخذ سيفه فقتله، فوفى به المائة، ثم رجع إلى الناس فقال: أيها الناس! هل لي من توبة؟ قالوا: اذهب إلى ذاك العالم، عالم بصير بالأحكام فقيه في الدين: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] قال: يا أيها الرجل! هل لي من توبة؟ قال: ماذا فعلت؟ قال: قتلت مائة نفس، قال: من يغلق عليك باب التوبة؟ باب التوبة مفتوح، حتى تطلع الشمس من مغربها، فأتى هذا الرجل فقال: تب إلى الله واستغفر الله، قال: أين أذهب؟ قال: القرية التي عصيت الله فيها هي قرية ظلم وأهلها فجرة، يعينونك على المعصية، فتب إلى الله، وهاجر من قريتك إلى قرية بني فلان، بعض القرى تعين على الصلاح، بعض القرى تعين على إقامة لا إله إلا الله، بعض القرى يتواصى أهلها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بعض القرى ظالم أهلها، يتعاونون على الإثم والعدوان والفساد، وانتهاك الحرمات وتعدي حدود الله الواحد القهار، فذهب هذا الرجل تائباً إلى الله الواحد الأحد، فلما مشى في الطريق، أدركه الموت فمات وما سجد لله سجدة، ولا ركع لله ركعة، ولا تصدق بصدقة، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، نزلوا من فوق سبع سماوات، أما ملائكة الرحمة فتقول: يا رب! هذا العبد خرج تائباً يريدك ويريد المغفرة، فجزاؤه أن تغفر له، وأما ملائكة العذاب، فتقول: يا رب! هذا الرجل ما سجد لله سجدة، ولا ركع ركعة، ولا تصدق بصدقة، فجزاؤه النار، قال الله تبارك وتعالى: إنني الحكم العدل ولست بظلام للعبيد، قيسوا ما بين المسافتين من المكان الذي مات فيه والقرية التي خرج منها، وما بين المكان الذي مات فيه والقرية التي خرج إليها، فما وجدتموه أقرب إليها فهو من أهلها، إن كان أقرب إلى الصالحة فهو صالح، وإن كان أقرب إلى الفاجرة فهو فاجر، ثم أوحى الله من رحمته وفضله إلى تلك القرية الصالحة أن تقاربي، وأوحى إلى تلك أن تباعدي، فتقربت بجبالها، ومهادها وصخورها، فقاسوا ما بين المسافتين، فوجدوه أقرب إلى تلك القرية، قال: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة.
هذه رحمة الله، قتل مائة نفس معصومة، سفك دماءهم، ثم تاب الله عليه.