ومن الأمور التي ينبه عليها، والتي قصرنا فيها جميعاً: حقوق الجيران، من أكبر نعيم الدنيا أن يوفق الله بينك وبين جار صالح، وإذا كتب الله عليك تنغيص الحياة، جعل لك جار سوء لا يستر زلتك، ولا يعفو عن خطيئتك، ولا يسامحك، يلاحقك في الليل والنهار.
آسية امرأة فرعون عليها السلام لما حضرتها الوفاة قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] قال ابن القيم: انظر كيف طلبت الجار قبل الدار، الجار قبل الدار، وكانت العرب تقول: الجار قبل الدار، ولا تنزل الدار إلا بالجار، حديث الوصية بالجار يقول أبو ذر: {خرجت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في ليلة من الليالي والقمر متمكن من السماء، خط لي خطاً وقال: لا تخرج من هذا الخط حتى آتيك، قال: فخرج فسمعت خطيفاً كالحدأة وكالصقور والنسور، وعلمت أنها الجن، اجتمع بهم صلى الله عليه وسلم: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33]
فهو رسول الإنس والجن، والله أرسله في تلك الليلة ليتكلم مع الجن قال: فإذا كالحدايا وكالصقور والنسور تخاطف من حولي، فأردت أن أخرج فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: لا تخرج من هذا الخط حتى آتيك، قال: فمكثت مكاني حتى آخر الليل، فأقبل عليه الصلاة والسلام وإذا رجل معه يكلمه طويلاً، كلما مشى كلمه، وأخذ بتلابيب ثيابه، فلما انتهى إلي صلى الله عليه وسلم قال: كيف أنت يا أبا ذر؟ قلت: هممت أن أخرج يا رسول الله! فتذكرت وصيتك، أبطأت عليّ، قال: لو خرجت من هذا الخط ما عدت أبداً حياً، أتدري من هؤلاء الذين أتوا إلي؟ قلت: لا والله يا رسول الله! قال: هؤلاء الجن، خاطبتهم، وأسلم منهم نفر كثير وأصلحت فيما بين قبيلتين منهم، وجعلت لهم كل عظم لم يذكر اسم الله عليه، وكل روث يوضع في الأرض، فهذا طعام لهم وذاك طعام لدوابهم، ثم قال: يا أبا ذر أرأيت الذي يكلمني في صفد القمر؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: ذاك جبريل، والذي نفسي بيده ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه} أي: يجعل له حقاً في الميراث.