جزاء من لم يحفظ الله

في مناطقنا شاب -وقد شهدها شهود عيان- وُجِد في حادث انقلاب سيارة ومسجلته تصدح بأغنية، والمغنية تقول: هل رأى الحبُ سكارى مثلَنا؟

وهو في الرمق الأخير يردد: هل رأى الحبُ سكارى مثلَنا؟

ما رأى الحب أفشل منكم في الحياة، ولا رأى مثلكم سكارى: {سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].

يقول ابن القيم في كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: أتوا إلى رجل ماجن في سكرات الموات يقولون له: قل لا إله إلا الله، قال:

يارب سائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ

قالوا: قل لا إله إلا الله، قال:

يارُب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجابِ

وقال ابن أبي الدنيا: قيل لأحد التجار: قل لا إله إلا الله، قال: خمسة في ستة كم تصير؟ سوف تعرفها إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور.

القضية: كيف نحفظ الله؟ وكيف نتوصل إلى أن نعيش؟ لأن المسألة ليست مسألة مناصب ولا وظائف ولا مسألة مال، إن كانت المسألة مسألة مناصب ففرعون طَمَّ وعَمَّ في المنصب العالي فقال: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه.

وإن كانت المسألة مسألة مال، فـ قارون أخذ أموال الدنيا وأخذ مفاتيح الدنيا قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص:81].

إذاً: المسألة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم مسألة إيمان، أوصلها إلى القلوب، بالله عليكم من يستطيع بغير إيمان أن يفعل كفعل الصحابة؟

عمير بن الحُمام، أحد شباب محمد صلى الله عليه وسلم يأتي في معركة بدر فيرى الكفار ويأخذ تمرات يأكلها من الجوع، فيقول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده! -يا أهل بدر - قد اطلع الله عليكم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء فتدخلون الجنة، قال: يا رسول الله! ما بيننا وبين الجنة إلا أن يقتلنا هؤلاء وندخل الجنة؟ قال: إي والذي نفسي بيده، فألقى التمرات وقال: والله إنها لحياة طويلة لو بقيت لآكل التمرات، ثم أخذ غمد سيفه وكسره على ركبته وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى} فأخذ الله من دمه.

يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود

ننتصر بالإيمان، ونثبُت في الساحة بالإيمان، ونقاوم الأعاصير والأحداث بالإيمان، ونحمي مقدساتنا بالإيمان.

أمَا رأيت الدب الأحمر كيف يزحف منخسئاً خاسراً ذليلاً؟! أما رأيت كيف تنهزم طائراته وصواريخه ودباباته وقنابله أمام الكلاشنكوف؟! لماذا؟ لأنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.

فرَّ موسى عليه السلام من فرعون ووراءه ما يقارب مليوناً من جيش فرعون، والبحر أمامه، الموت الموت، قالوا: أمامك البحر وخلفك فرعون، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فشق الله له طريقاً في البحر يبساً.

إبراهيم عليه السلام، أتوا به إلى النار المحرقة فألقوه فيها، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فما أصابه شيء.

محمد صلى الله عليه وسلم أتاه الأعداء من كل جانب فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:174].

والآن يشهد العالَم انتصار المجاهدين الأفغان، وانتصارهم انتصارٌ لشعبنا ولأمتنا ولبلادنا، ويشهد العالَم كل العالَم هزيمة روسيا، لماذا؟!

لأن المجاهدين خرجوا متوضئين صائمين مصلين، قيل لهم: تعالوا إلى هيئة الأمم المتحدة، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ هيئة الأمم المتحدة، قيل: تعالوا إلى مجلس الأمن، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ مجلس الأمن، قيل: تعالوا إلى جنيف، قالوا: آمنا بالله وحده وكفرنا بـ جنيف، ونزلوا يقاتلون ويصبرون ويجاهدون.

في جحفل من بني الأفغان ما تركت كراتهم للعدا صوتاً ولا صيتاً

قوم إذا قابلوا كانوا ملائكة حسناً وإن قاتلوا كانوا عفاريتاً

وانسحب الملحد يضحك على نفسه، واقترب فتح كابول {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء:97] فمن أراد أن ينتصر فلينتصر بالإيمان: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] وإسرائيل لما افتقرت الساحة لجيش مؤمن عربدت يميناً وشمالاً.

وإن شاء الله أن هذه الانتفاضة مؤمنة مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله، لكن ثلاثين سنة ما عرف شامير الكلاشنكوف الموحِّدة والسجدات المفردة واللمعات المؤمنة والوضوء واللجوء إلى الله: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] وقال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

قد كنت في مناسبة أدعو كل فلسطيني على وجه الأرض أن يأخذ من أفغانستان درساً لا ينساه؛ فإن فلسطين لن تتحرر إلا بـ (لا إله إلا الله) وبيت المقدس لا يعود إلا بـ (لا إله إلا الله) ولا يعود لحظيرة الإسلام ومجد الإسلام إلا يوم يأتي أبناؤه يرفعون علم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن الذي باع الحياة رخيصةً ورأى رضاك أعز شيء فاشترى

أمْ مَن رمى نار المجوس فأطفأت وأبان وجه الصبح أبيض نيِّرا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015