والناس أمام شهر رمضان على قسمين:
قسم فرح به، وأتاه من الفرح ما الله به عليم، وهو مقدم على خير وعلى بر، ينتظر أن يعتق من النار، فسجل اسمك في الأسماء التي تعرض على الله كل ليلة، عل الله أن يعتق رقبتك من النار، فإن الفوز أن تزحزح عن النار {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:192].
أيها الناس: إن بعض الناس يجعل أعلى أمنية له في الحياة أن يحصل منصباً، أو وظيفة، أو مالاً، أو زوجة، أو سيارة، وهؤلاء من أخسر الناس في هممهم ومقاصدهم.
القسم الثاني: الذي يستقبل رمضان استقبالاً بارداً ميتاً، يعيش في غفلة في رمضان وبعد رمضان، قومٌ إذا دخل عليهم رمضان أمضوا ساعاته في النوم، وأمضوا ليله في السهر، في لعب ولهو وغفلة نسأل الله ألا يجعلنا منهم
متى يهديك قلبك وهو غافلٍ إذا الحسنات قد أضحت كالخطايا
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].
شهر رمضان موسم للعفو وللرحمة وللعتق من النار كان لبعض العظماء في الجاهلية يومٌ يسمى يوم العفو، ويوم العفو هذا -ولله المثل الأعلى- يشبه شهر رمضان، فقد كان للنعمان بن المنذر يوم العفو، يستقبل رعيته في ذلك اليوم، فمن زاره أعفاه من الإعدام ومن الحبس، ومن الضرائب فمن أراد العفو من الله فلينتظر هذا الشهر الكريم؛ فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر} وقد يخطئ كثير من الناس، فيظن أنه إذا صام رمضان كفِّر عنه حتى الكبائر التي اقترفها بين رمضانين، وهذا فهم خاطئ، فإن التكفير خاص بالصغائر، ولا بد أن تجتنب الكبائر {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31].
فترى بعض الناس يظن أنه إذا ارتكب الكبائر وترك الواجبات والفرائض، وصام رمضان كفَّر الله عنه ذلك، وهذا خطأ في الفهم، وضلال في العقل، حتى أن بعضهم إذا دخل رمضان أحياه، فإذا انتهى رمضان عاد إلى حالته الأولى، وإلى سيرته الأولى يقول صلى الله عليه سلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه من أجلي، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي الله فرح بصيامه}.