أولها: أنه كان هو المتأثر بدعوته صلى الله عليه وسلم لا يأمر الناس بشيء إلا وهو أقرب الناس إليه، وأكثر الناس تمثلاً بهذا الأمر، يقول: يا أيها الناس! اتقوا الله! خافوا الله! اخشوا من الله! فيكون أخوف الناس لربه صلى الله عليه وسلم.
يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز من البكاء كأزيز المرجل} وهو القدر إذا اجتمع غلياناً، ويقول ابن مسعود في الصحيح: قال لي صلى الله عليه وسلم: {اقرأ عليَّ القرآن، قلت: كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟! قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فاندفعت أقرأ القرآن، فلما بلغت قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال: حسبك الآن، فنظرت فإذا عيناه تذرفان}.
هكذا يكون التأثير بالدعوة، هكذا يكون القيام بحق الدعوة، يقول ابن أبي حاتم: {كان عليه الصلاة والسلام يدور على بيوت الأنصار في الليل الدامس، فسمع امرأة عجوزاً تقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] فأخذ يبكي عليه الصلاة والسلام! وهي لا تدري أنه يستمع إليها، ويقول: نعم أتاني، نعم أتاني}.