إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71].
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته:
سلام الله عليكم يا جيران بيت الله! سلام الله عليكم يا سكان الحرم! سلام الله عليكم يا من سكن هذه البقعة الطاهرة! سلام الله عليكم يوم اجتمعت قلوبكم على محبة لا إله إلا الله، وتوحدت أرواحكم في السير في منهج لا إله إلا الله، وأُشْرِبت قلوبكم محبة لا إله إلا الله!
من مهبط الوحي من هنا سارت لا إله إلا الله قوية، ومن هنا انبعثت لا إله إلا الله متوهجة، ومن هنا غرست لا إله إلا الله في قلب كل موحد، وإن كان لي من شكر في أول اللقاء فإني أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى على أن أجلسني مع هؤلاء الأخيار الأبرار، ثم أشكر مدير هذا المعهد، فضيلة الشيخ/ حمدان السُلمي على تفضله ودعوته للحضور إلى هذا المكان، ثم أشكر الأساتذة وأشكركم يا معشر الطلاب!
من مهبط الوحي، من هنا، من قلوبكم الصادقة، من أرضكم المنيبة المخبتة سارت لا إله إلا الله، ولا يجدد مسيرة لا إله إلا الله إلا من أتى من مثل هذه البقعة ومن أمثالها، ومن مهبط الوحي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين بشيراً ونذيراً، ومن مهبط الوحي قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ومن مهبط الوحي وقف أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه خليفةً المسلمين زاهداً وعابداً يبكي الليل والنهار، ليجدد المسيرة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن مهبط الوحي كان الخليفة عمر رضي الله عنه يقف على المنبر، وعليه برد مرقع بأربعة عشر رقعة، يبكي ويقول لبطنه وهو يقرقر من الجوع: [[قرقر أو لا تقرقر، فوالله لا تشبع حتى يشبع أطفال المسلمين]].
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه
عمر الذي كان يضرب أقدامه بالعصا ويقول: [[يا عمر! والله الذي لا إله إلا هو لئن لم تتق ربك ليعذبنك الله عذاباً لم يعذبه أحداً من العالمين]].
ومن مهبط الوحي نشأ عثمان بن عفان، قال صلى الله عليه وسلم قبل غزوة تبوك: {من يجهز جيش العُسرة وأضمن له الجنة؟ فيقول عثمان: أنا، فتنهار دموعه صلى الله عليه وسلم على خديه، ويقول: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، اللهم اغفر لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم}.
ومن مهبط الوحي نشأ علي بن أبي طالب يقف في ظلام الليل يبكي ويتململ تململ اليتيم ويبكي بكاء الثليم، ويقول: [[يا دنيا يا دنية! طلقتك ثلاثاً لا رجعة بعدها، غري غيري، زادك حقير، وسفرك قصير، وغربتك موحشة، آه من لقاء الموت وبعد السفر ووحشة الطريق]].
فيا أبناء أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي: يا من سكن في مهبط الوحي! يا جيران بيت الله! إن لبيت الله حقوقاً من الجيرة: الحياء من الله عز وجل، والحياء من الله هو: حفظه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وإنكم أهل المنزل وأهل الدار، إنكم أول من يُطالب من الناس بحفظ ورعاية بيت الله، إنكم جيران بيت الله، وللجار حقوق.
أولها: الحياء.
حياء من إلهي أن يراني وقد ودعت صحبك واصطفاكا
فما دام أن الله جعلكم سكان هذا البيت في مهبط الوحي، أفليس عليكم حقوق أعظم من حقوق العامة من الناس، ومن حقوق البشرية؟ إي والله! إنه حفظ الله تبارك وتعالى في السر والعلن، وكلمتي هذه توجه إلى مدير المعهد، ثم إلى الأساتذة، ثم إلى الطلاب.