إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحييكم هذه الليلة بأبيات ابن القيم الرائدة:
أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم
وحملها قلب المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم
لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتها إن غبتم أو حضرتم
وشكر الله لفضيلة الشيخ الأخ/ خليل السبيعي على هذه المقدمة، وقد تكلم هذه الليلة بلسان الرضا
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
وعنوان المحاضرة: هدي السلف في رمضان.
بشرى سارة لكم يا معاشر الساجدين، ويا معاشر المصلين والصائمين؛ لقد أظلكم شهر كريم، فهنيئاً لكم ولنا، ونسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من عتقائه في هذا الشهر
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام
فاقبل اللهم ربي صومنا ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام
جاء عند الإمام أحمد في المسند والنسائي بسند صحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول للصحابة في أول رمضان: {أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل مردة الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم} فنسأل الله ألا يحرمنا خيرها، وأن يعتق رقابنا وإياكم من النار.
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار
أيها المسلمون: يقول -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه ابن ماجة وغيره من أصحاب السنن: {إن في الجنة أبواباً ثمانية باب يسمى باب الريان يدخل منه الصائمون} وفي الصحيح: {أن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون، فإذا دخلوا أغلق فلا يدخل أحدٌ غيرهم} يقول الله تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183].
من الذي كتب؟ ومن الذي فرض؟ إنه الله ومن الذي يجازي على الصيام؟ ومن الذي يثيب؟ إنه الله ومن الذي يطلع على صوم الصائمين؟ إنه الله وفي الصحيحين أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول في الحديث القدسي: {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فأنه لي وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي} كيف هذا؟ تصلي فيراك الناس، وتزكي فيراك الناس، وتحج فيراك الناس، إلا الصيام فمن يدري؟! لعلك قد تأكل بين الحيطان، وقد تشرب بين الجدران، لكن علام الغيوب يراك {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:218 - 219].