ومن أعظم أسبابها المعاصي، فإن الناس خاصة في الأزمان المتأخرة بعد انكماش نور النبوة وقلة العلماء والمربين يقعون في المعاصي، حتى أنك تفاجأ بشاب ملتزم يخبرك بأمره ثم يتحسر ويتقطع لبوادر بدرت منه.
أولاً: لا نقول إن الناس معصومون.
ثانياً: نقول لمن أخطأ: تب إلى الله.
ثالثاً: ولا نقر الناس على خطئهم نقول: إذا أخطأت فالبشر يخطئ ولست بمعصوم والله غفور رحيم، وإذا أخطأت فعد إلى الله لكن هذا تقرير، والواجب أن يزجر، فسبب عدم الروحانية: قسوة القلوب، أعني المعاصي: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة:13].
ورأيت عبد الغني المقدسي، وذكره صاحب طبقات الحنابلة، أنه ذكر حديثاً عن أبي بكر الصديق يقول: [[مر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه برجل يقرأ القرآن ويبكي، فقال أبو بكر: هكذا كنا حتى قست قلوبنا]] فالذي يظهر أنه لابد أن يقسو القلب أحياناً، ولكن ذلك لا يكون مستمراً ولا دائماً، حتى أنك تعلم أن بعض الناس تمر به السنة ولا يبكي، ويسمع القرآن فلا يتأثر، بل بعضهم أصابته روحانية غريبة؛ يبكي وقت الأناشيد ولا يبكي من القرآن، ويهتز إذا سمع بيت شعر وتسيل دموعه، بينما يسمع القوارع من كتاب الله عز وجل صباح مساء فلا يتأثر.
ترجم الذهبي لرجل من أهل خراسان عالم عجمي يقول: قرأ القرآن من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس فما تأثر، فلما ذهب إلى بيته سمع طفلاً لجيرانه ينشد قصيدة فبكى وقال لنفسه: صدق أهل خراسان حين اتهموني بأنني زنديق، وهذا من التواضع، وهو ليس بزنديق إن شاء الله، بل هو من المؤمنين، لكن اتهم نفسه عندما قال: كيف أبكي من هذه الأنشودة ولا أبكي من القرآن؟!