وتستمر القافلة، وتأتي نكبات لنا وعلينا، ويأتي شاعر الدنيا أبو الطيب المتنبي - ولولاه لَمَا ذُكِر سيف الدولة - فيقف مع سيف الدولة بالوغى، ويحشد معه بقوافيه، ويمجده تمجيداً رائعاً، ينتصر في معركة - في شمال الروم - أمام الروم، فيقف أبو الطيب المتنبي فيحيي سيف الدولة القائد قائلاً:
وقفت وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
أي شجاعة مثل شجاعتك؟
ومَن ينام في عين الأسد؟
ومن الذي يخصي الأسد؟
أنت في قلة قليلة تبارز قوة الروم (الصليبية العالمية) وأنت وحيدٌ! مَن يفعل فعلك؟!
وقفت وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسمُ
من يضحك إلا أنت في المعمعة؟ من الذي يتبسم والسيوف تقصف الرءوس إلا أنت؟
ثم يتذكر أبو الطيب الإسلام، ولو أن عليه ملاحظات كما يقول ابن تيمية وابن القيم فيقول:
وما كنت قرناً هازماً لقرينه ولكنه التوحيد للكفر هازمُ
أنت فقط ما قتلتَ رجلاً واحداً، إنما انتصرتَ للمبادئ، إنما (لا إله إلا الله) غَلَبَتْ (لا إله والحياة مادة) إنما بيت:
نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا
غَلَبَ:
آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثانِ
إذاً هو التوحيد، والمتنبي يبكي عيون الناس.
يقولون: إن الصاحب بن عبَّاد غضب على المتنبي؛ لأنه لم يمدحه أبداً، وقد رفض لأنه لا يمدح إلا الملوك (الحجم الكبير) وقد حاول فيه واسترضاه فرفض فقال ابن عبَّاد: لا ينشدني أحدٌ شعراً لـ أبي الطيب إلا قتلته، فماتت أخت ابن عبَّاد فأتته ستون رسالة مصدرة ببيتين لـ أبي الطيب المتنبي يقول فيها:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
قال: لمن هذا؟
قالوا: لـ أبي الطيب.
قال: هذا كالشمس انتشر، أنشدوا شعره أو كما قال.
إن المبادئ الإيمانية ترصع بالأدب، والأدب إذا لم يكن في خدمة مبادئنا، أو في خدمة أي مبدأ كان فلا عبرة به، ولا حياة له، ولا نريده.