أبو تمام والمعتصم

استشار المعتصم المنجمين: ما رأيكم في فتح عمورية؟

فقال المنجمون: العقرب نزل في كوكب الذنب ولا نصر في هذه الفترة، فقال: آمنت بالله وكفرت بكم، ثم جهز جيشاً عرمرماً.

تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب

وتوجه على بركة الله، ولما انتصر عاد ليسمع ماذا يقول شاعر الإسلام أبو تمام وهو يسجل عمورية بأبدع ما يقال، فافتتح بين يدي المعتصم هذا الرجل العملاق الذي نصر المرأة المسلمة التي لُطِمَت هناك، وقالت: وا معتصماه! ولكنها تردد اليوم في أفغانستان بالآلاف، وفي فلسطين، ولكن لا معتصم، ولا متوكل، ولا طارق، ولا صلاح الدين.

رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتمِ

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ

قال:

السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب

ثم ضحك على المنجمين، وقال: أين فتواكم الرخيصة؟ أين العمالة؟ أين الكذب على الله وعلى الدين وعلى الرسالة؟ أما انتصر؟ أما ذَبح الأبطال؟ أما مزق أديم الكماه؟

فالنصر في شهب الأرماح لامعة بين الخمسين لا في السبعة الشهبِ

هذا هو النصر، ثم قال بروحٍ إسلامية:

رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ

الله الذي رمى بك أيها المعتصم؛ لأنك ساجدٌ لله، ما كنت بعثياً ولا علمانياً ولا ناصرياً ولا ماركسياً، وإنما كنت حنيفاً مسلماً: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:17].

رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لم يصبِ

ثم يثني عليه بالإيمان، ويقول:

تدبير معتصم بالله منتقم لله مرتقب في الله مرتغب

ويسجل الإسلام لـ أبي تمام قصيدته الرائعة الإسلامية البديعة التي حملت روح الإسلام، وإنَّا لفي حاجة إلى شاعر في النكبات ينشد مبادئنا، ويمسح جراحنا، ويكفكف دموعنا، ويقيلنا من العثرة، لسنا بحاجة إلى أدب يصف القائد ولا سيارته ولا شارته ولا طابوره، ولا يتهجم تهجم الحطيئة على أعدائه، إن هذا الأدب سوف يموت، وبالفعل مات قبل أيام، وما كتب اليوم يموت غداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015