يقف عليه الصلاة والسلام -والحديث عند ابن أبي حاتم بسند جيد- على باب امرأة من الأنصار، وذلك يوم كانت المرأة المسلمة المصلية في الليل، يوم كانت تتذكر موعود الله، يوم كانت المرأة المسلمة كالدرة في بيتها، والإسلام جعل المرأة درة محمية مصونة مرعية مشرفة مكرمة.
يقول استالين هذا الروسي اليهودي: المرأة شيطانة، وكذب فإنه هو الشيطان الرجيم، ولينين يقول لها: فتانة لا يكون لها نصيب في المجتمع، والجاهليون الوثنيون المشركون من قريش وغيرهم لا يجعلون لها حظاً في الميراث، ولا يجعلون لها سمة ولا شارة ولا كلاماً.
وغاندي المجرم الهندي، يأتي إلى المرأة ويقول: متى كانت المرأة إنسانة؟ سبحان الله! والله عز وجل يقول في كتابه: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] والله يقول: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] وهذا استطراد لا بد منه في مثل هذا المكان، فيوم كانت المؤمنة مرعية في بيتها تعرف الله، وتربي الأجيال، وتخرج العلماء والدعاة من البيت.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم نبت إن تعاهده الحياء بالري أورق أيما إيراق
{يمر عليه الصلاة والسلام، ببيت من الأنصار ويسمع من وراء الباب عجوزاً تقرأ وتردد ولا تدري أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع لها، فتردد قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] وتبكي؛ فأخذ يبكي معها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: نعم أتاني كلما قالت هل {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] يقول: نعم أتاني، نعم أتاني}.
عجوز، فأين أبطال الإسلام وأين شباب الإسلام من قيام الليل؟
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار
وفي سنن أبي داود بسند صحيح، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} والمرجل هو القدر إذا استجمع غلياناً.
وعند ابن مردويه والطبري {أن الرسول عليه الصلاة والسلام، مر به بلال قبل صلاة الفجر، فسمع المصطفى عليه الصلاة والسلام، يقرأ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ.
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] ثم يقول عليه الصلاة والسلام ل بلال: أنزلت علي آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبرها}.
الرسول صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن، لأن تربيته مع القرآن وكتابه الوحيد هو القرآن، وعظمته في القرآن.
القرآن يوم كان كتاب المسلم الوحيد، القرآن يوم عرفنا قيمته، يوم كنا نجعله المصدر الوحيد، فتحنا الدنيا، ووزعنا الهداية على البشر.
في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال: {قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله! كيف أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ -يالعظمة راعي الغنم الذي أصبح بعد عشر سنوات من أكبر العلماء في الدنيا، من رعي الغنم إلى قيادة الأمم والتعليم، والتوجيه، والإسداء، والتربية- قال: إني أحب أن أسمعه من غيري فبدأ يقرأ من سورة النساء حتى بلغ قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] قال عليه الصلاة والسلام: حسبك الآن، قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان عليه الصلاة والسلام} إن أمة هجرت القرآن، ومالت إلى المجلة الخليعة والأغنية الماجنة لا تستحق النصر ولا الفتح، ولا تستحق أن تقود البشرية.
اسمع لـ ابن القيم في الغناء:
قال ابن عباس ويرسل ربنا ريحاً تهز ذوائب الأغصان
فثير أصواتاً تلذ لمسمع الـ إنسان كالنغمات بالأوزان
يا خيبة الآذان لا تتعوضي بلذاذة الأوتار والعيدان
يا أيتها الأمة! التي تريد لقاء الله، وفتحه ونصره! لا تتلذذي بلذاذة الأوتار والعيدان، لماذا تنتصر إسرائيل؟ إخوان القردة والخنازير، لماذا يضربون الأطفال بالهراوات والشيوخ والنساء ثم لا يكون معنا إلا شجب وننديد واستنكار؟!!
فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب
إذا تبدت لنا الميراج تقصفنا سعت لتسقطها الصيحات والخطب
ظنوا القنابل أبواقاً مزخرفة والطائرات هي الإترنج والعنب
كيف انهزمنا، وما تلك بعادتنا سيخبر السيف عنا والقنا السلب
نعم نصرنا لأن الله غايتنا وليس يمنعنا من ربنا سبب
إن من يعرف الله يعرفه الله، وإن من يحفظ الله يحفظه الله.
أما ذكره فكانت حياته ذكر، والذكر أصبح من أرخص موجودٍ عند المسلمين لكن من يذكر؟!
ملهيات وأغنيات، مغنين ومغنيات، ماجنين وماجنات، أحياء وأموات، ولا يذكر الله إلا الخلص الذين يسحبون أنفسهم من أوهاق المجتمع، ويريدون وجه الله، ويقولون: لبيك يا ربنا
وا إسلاماه! وا إسلاماه! هؤلاء هم الذاكرون الله كثيراً والذاكرات، هنيئاً لهم الذكر.
يقول ابن القيم: كان الرسول صلى الله عليه وسلم: كل كلامه ذكر، أنفاسه، وعمله وقيامه وجلوسه ونومه لربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فأكثر ذكره في الأرض دأباً لتذكر في السماء إذا ذكرتا
وناد إذا سجدت له اعترافاً بما ناداه ذو النون بن متى
صلى الله وسلم على من أنقذنا من النار، صلى الله وسلم على من قادنا إلى بر الأمان، صلى الله وسلم على من رفع رءوسنا وكانت مخفوضة، وأنار عقولنا وكانت ضيقة مظلمة، وفتح عيوننا وكانت مقفلة.