أما الشجاعة: فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يبارز جيشه جيش الكفار، انتدب علي بن أبي طالب، فحين أتى عمرو بن ود في الخندق وهو من أشجع الأبطال في العرب فقال: من يبارز؟ من يبارز؟ فسكت الصحابة، فقال علي: أنا يا رسول الله! وعلي في تلك الفترة في الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين من عمره، فيلتفت عليه الصلاة والسلام ويقول: إنه عمرو بن ود، قال: ولو كان عمرو بن ود، وفي المرة الثانية قال: من يبارز؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: إنه عمرو بن ود، قال: ولو كان عمرو بن ود، وفي الثالثة يخرجه عليه الصلاة والسلام فخرج يكبر، فلما التقيا قال عمرو بن ود: من أنت؟ قال: علي بن أبي طالب، قال: حيهلاً بك يا بن شيخ الأباطح، لأن أباه أبا طالب شيخ مكة، ثم بدأ الصراع، يقول عمرو بن ود قبل المبارزة: والله ما أريد أن أهريق دمك وحلف بلاته وعزاه، فقال علي: ولكني والله الذي لا إله إلا هو أريد أن أهريق دمك، فاختلفا ضربتين وخيم الغبار على البطلين ثم انكشف الغبار وإذا علي رضي الله عنه على صدر ذاك، وذبحه كما تذبح الشاة، وعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، يوم تجلى الله إلى أهل بدر قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، قال كفار قريش: أعطنا ثلاثة نبارزهم فكان منهم علي بن أبي طالب فإنه من أشجع الناس، وفي قلبه شجاعة الله بها عليم، يقولون: كان يخوض معارك العراق كما ذكر ذلك ابن جرير وغيره فكان يأتي في الضحى فيقول بالسيف هكذا فيتقاطر الدم على كفه، ويقول به هكذا فيلمع مع الشمس، وكان إذا بارز رجلاً خلع درعه ونازله بلا درع، وهو الذي يقول:
أي يومي من الموت أفر يوم لا يقدر أم يوم قدر
يوم لا يقدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر
جلس عند جدار يقضي بين رجلين وهو الحاكم، وكان أميراً للمؤمنين، وإذا بالجدار يريد أن ينقض عليهم، فمر رجل فقال: يا أمير المؤمنين! الجدار يريد أن ينقض عليكم، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، قالوا: فلما قضى بين الاثنين وقام انهد الجدار مكانهم.
وكلمة (حسبنا الله ونعم الوكيل) هي شعار الموحدين، قال ابن عباس: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم يوم قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].
فقد كان شجاعاً لأنه موقن بلقاء الله، ويعرف أنه لا يتقدم على أجله ولا يتأخر.