رآه عبد الله بن سلام أحد أحبار اليهود، وهو يروي القصة، قال: رأيت الناس انجفلوا -أي: اجتمعوا في سوق المدينة- فكنت فيمن اجتمع، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من مكة مهاجراً، قال: فزاحمت حتى رأيت وجهه، فلمَّا رأيت وجهه إذا وجهه علمت أنه ليس بوجه كذاب -وجهه وجه صادق، وجهه وجه مخلص، وجهه وجه منيب- قال: فسمعت كلامه فإذا هو يقول: يا أيها الناس! أفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، فقلت: يا رسول الله! أسألك عن ثلاث - وهذا الرجل عالم من علماء بني إسرائيل علمهم الله في التوراة أموراً علمها رسول الله عليه الصلاة والسلام - قلت: يا رسول الله! أسألك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي، قال: اسأل، قلت: ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة؟ ولماذا يشبه الولد أباه، أو أمه؟ وما هي أول علامات الساعات الكبرى؟ قال: أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا الجنة زيادة كبد الحوت، وأما لم يشبه الولد أباه أو أمه، فماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فإذا علا هذا على هذا أشبه أباه، أو أمه، وأما أول علامات الساعة الكبرى، فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، قلت: والذي بعثك بالحق نبياً إنك لرسول، والله لا يعلمها إلا رسول، فأنا يا رسول الله! من أحبار اليهود ومن علمائهم، اجعلني في هذه المشربة -غرفة وراء الرسول عليه الصلاة والسلام- واجمع اليهود، واسألهم عني قبل أن تخبرهم أني آمنت وأسلمت، فأدخله صلى الله عليه وسلم، وجمع اليهود، وقال: كيف ابن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، وفقيهنا وابن فقيهنا، قال: أفرأيتم إن آمن وأسلم، قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فإنه آمن، فخرج عليهم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وسيئنا وابن سيئنا، وخبيثنا وابن خبيثنا، فأنزل الله قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأحقاف:10] ويقول الله لهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89].