نأتي الآن إلى دواء القلوب وعلاج القلوب، وتعالوا نتعاهد سوياً ونضع الأكف بالأكف ونبدأ مسيرة التوبة والصدق مع الله عز وجل، فما هو العلاج؟
أجمع العقلاء من علماء الإسلام أن أكبر دواء، وأحسن بلسم وأنه علم الولاية، وأنه النهر المضطرب بالماء العذب، وأنه الظلال الوارفة، وأنه البلسم الشافي بإذن الله هو ذكر الله, فتعالوا كما قال أحد العلماء لتلاميذه وإخوانه وأصحابه: تعالوا نتعاهد على ذكر الله صباح مساء قياماً وقعوداً وعلى جنوبنا قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] وقال: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
دخل أبو مسلم الخولاني وهو أحد الصالحين من التابعين، وكان لا يفتر لسانه أبداً عن ذكر الله, يقول في بعض الآثار، وهو حديث لكن في سنده نظر: [[اذكر الله حتى يقول الناس: إنك مجنون]] وفي بعضها: [[اذكروا الله حتى يقول المنافقون: إنكم مجانين]] لأن الذاكر في المجلس أو في المكان تراه يتمتم فيقول الذي لا يعرف الذكر: هذا يتمتم ويهلوس, أو موسوس, أو مجنون.
فـ أبو مسلم هذا كان لا يفتر لسانه من ذكر الله وشفتاه أيضاً, دخل على الأسود العنسي الذي ادعى النبوة في صنعاء في اليمن , فقال له الأسود: أتشهد أني رسول الله؟ قال: كذبت عدو الله, رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, قال: والله لأحرقنك بالنار -أو حلف بآلهته- فجمعوا له حطباً وأرادوا أن يلقوه فكتفوه وحملوه فقال: حسبي الله ونعم الوكيل, وقع في النار فإذا هي برد وسلام, ثم خرج من النار؛ فقال الأسود العنسي: هذا ساحر, أخرجوه من اليمن لا يسحر علينا الناس, ثم وصل إلى المدينة فاستقبله أبو بكر وعمر وعانقاه وقالا: [[مرحباً بالذي جعله الله كالخليل إبراهيم في هذه الأمة]].
ودخل على معاوية بن أبي سفيان ومعاوية خليفة ومعه وجهاء الناس، فأخذ أبو مسلم يتمتم بذكر الله عز وجل, فقال معاوية: أبك جنون يا أبا مسلم؟ قال: بل حنون يا معاوية.
ولذلك كان يقول أهل العلم في بعض السير والتفاسير: إن موسى عليه السلام لما أتى يطرق الباب على فرعون أتى يدعوه إلى الله عز وجل, أتى يبصره بالهداية, أتى موسى راعي غنم كان يرعى الضأن عنده عصا وإزاره ورداؤه من صوف, يقول الله: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:24] قال أهل العلم: كان على سور فرعون ستة وثلاثون ألف حارس, فأتى موسى عليه السلام في الطريق فلما وصل إلى الباب الأقصى من باب القصر ضربه بالعصا بقوة, فقال له الحارس: أمجنون أنت؟ قال: عندي دواء المجانين, أنا لست مجنوناً لكن أتيت أحمل دواء المجانين, فقالوا لفرعون: عندنا مجنون عند الباب يضرب الباب ويقول: يريد أن يدعوك إلى إله ومعه أخ له, لأن موسى يقول: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29 - 32] لماذا؟ قال: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} [طه:33] بدواء القلوب التسبيح {ونذكرك كثيراً} [طه:34].
فقال فرعون: أدخلوه نضحك عليه هذا اليوم, يريد أن يتمتع ويضحك على هذا المجنون, فدخل فكانت القصة.
فالشاهد: أن دواء الجنون ودواء الإعراض هو ذكر الله عز وجل, ويقول سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35].